تريثت دون جدوى أن يغار قطاعنا العام الصناعي، وأن يكرم متفوقي المدارس المهنية، مثلما فعلت شركة (سيا) للسيارات الممثل لشركة شيري التجارية الصينية، في الخامس من شهر تشرين الأول، عندما كرمت بشهادات وجوائز ٢٥ طالبا وطالبة من متفوقي الشهادة الثانوية المهنية.
لدينا أربع مؤسسات صناعة عامة مهمة تشرف على ١٠٨ مصانع حكومية أغلبها يحتاج إلى قوى عاملة تجسد عبارة (الدماء الجديدة)، وهم شبان مهرة، يجب أن يتبناهم القطاع العام، وأن يوفدهم إلى المعاهد المتوسطة أوالجامعات ولاسيما أن أغلب تلك المصانع تحتاج إلى ترميم وإصلاح وإلى عمال جدد، ومن المؤسف أن تلك المؤسسات العامة لم تبادر إلى خطوة مماثلة.
وبغض النظر عن العقود التي ستوقع مع المتفوقين، فإن واقعة الاحتفاء بخريجي الثانوية المهنية، تبدو لافتة وسط تهميش وتغييب لهذا النوع من التعليم، وهو يأتي أولا في الدول المتقدمة، في حين أنه إجباري في بلادنا، يفرز إليه ذوو العلامات. الأقل في شهادة التعليم الأساسي، مايجعله وصمة، ويعمق دونيته في العقل الجمعي للسوريين. وهذا ما يجعل عدد طلابه وخريجيه قليلا بالمقارنة مع طلاب وطالبات الثانوية العامة بفرعيها الأدبي والعلمي (يوجد في سورية ٤٨٠مدرسة فنية مقابل ١٣ ألف مدرسة عامة وعدد طلابه ٣٠./.من عدد طلاب التعليم العام) وهذا خطأ كبير على الصعيدين الشخصي والعام، فمن يملك مهنة يعش جيداً الآن، وإعادة إعمار سورية تحتاج إلى فنيين مهرة في كل الاختصاصات.
هل أشرقت شمس جديدة على التعليم الفني -المهني في سورية، تعد بإضاءة دروبه المعتمة وانتشاله من الوهن والتثاؤب، وتسرب كثير من طلابه إلى امتحانات الشهادة الثانوية الحرة الفرع الأدبي..؟
المبادرة الناقصة مثال، وهي تكتمل بشغف مماثل نحو القطاع العام، والجولات الميدانية لوزير التربية إلى حلب وحماة، مثال آخر، فلقد خَص في سياق تلك الجولات، التعليم المهني باهتمام كبير مستفيدا منها في توجيه رسائل لافتة سواء لإدارة هذا التعليم في وزارة التربية أم لاصحاب القرار في مجلس الوزراء،إذ دعا إلى زج المعاهد المتوسطة والمدارس المهنية في العملية الإنتاجية لتوفير احتياجات الأسواق المحلية من الأثاث المنزلي والمقاعد المدرسية، وتوفير الصيانة المتطورة للسيارات عبر افتتاح ورشات صيانة ترفد الأسواق الحرفية وتؤمن دخلا ماليا لمدرسي ومدربي وطلاب تلك المعاهد والمدارس.
بديهي أن السيد الوزير لم يأتِ بجديد، وما من شك أنه قد أصغى لردود عن المعيقات وبعضها قانوني، ولهذا طالب من داخل الثانوية الصناعية الثانية في حماة بإقامة ورشة لتعديل القوانين، فالإنتاج في المؤسسات التعليمية يتطلب مسك دفاتر محاسبة وإجراءات، ما تزال بانتظار التعليمات التنفيذية لتشريعات (رائعة) على هذا الصعيد، صدرت بدءا من أواسط السبعينيات من القرن الماضي، وجرى تعديلها عدة مرات، ونأمل أن تفكك وزارة التربية عقد تحويل المعاهد والثانويات المهنية إلى مراكز إنتاجية تغني التعليم بمهارات عملية تجعل الطالب متمكنا قبل مغادرة مدرسته، وتؤمن مالاً الجميع بحاجة إليه لمزيد من الحيوية والاندفاع، فهذا النوع من التعليم متعب ومكلف لكنه الأفضل للوطن وشبابه.
أروقة محلية – ميشيل خياط