الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
بدأ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو جولة خارجية في شرق آسيا، وهي الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، تشمل الهند والمالديف وسريلانكا وإندونيسيا، ويتصدر جدول أعماله حشد هذه الدول للوقوف إلى جانب بلاده في مواجهة الصين.
وستعقد كلاً من الولايات المتحدة والهند، وهما من البلدان الأكثر تضرراً من جائحة كوفيد-19، الحوار الوزاري 2 + 2 في نيودلهي، ومن المرجح أن يتم التوقيع على اتفاقية التبادل والتعاون الأساسية التي ستسمح بتوسيع نطاق تبادل المعلومات العسكرية.
أما في المالديف وسريلانكا فسيحاول بومبيو أن يقلّل من التعاون الاقتصادي بين البلدين مع الصين كما سيشجعهما على السعي لتحقيق “الاستقلال الاقتصادي”، ومن المرجح أيضاً أنّه سوف يحرّض جاكرتا على أن تكون أكثر صرامة مع بكين بشأن بحر الصين الجنوبي، بالإضافة إلى الترويج لبيع الأسلحة الأميركية في إندونيسيا.
ويمكن اعتبار هذه الجولة بمثابة فرصة لتلخيص فترة ولاية بومبيو التي استمرت قرابة ثلاث سنوات كوزير للخارجية في ظل إدارة ترامب، وقد دفع بالولايات المتحدة خلال هذه الفترة إلى مواجهة شاملة ضد الصين، وسعى إلى تشكيل “جبهة موحدة مناهضة للصين” لكن وعلى الرغم من أنه بذل جهداً كبيراً لتحقيق هذا، إلّا أنّ محاولاته باءت بالفشل لأنّ ما يدعو إليه منفصل عن الواقع فيما يخص التعاون الاقتصادي العملاق بين الصين والولايات المتحدة، كما أنّه يتعارض مع الاعتقاد الدولي السائد بأنه على الدول أن تضع سياسات تستند إلى مصالحها الوطنية.
ويبدو جليّاً أنّ الهدف من تقارب الهند والولايات المتحدة هو زيادة نفوذ الهند في التفاوض بشأن القضايا الحدودية مع الصين، فالهند هي جارة الصين ولكنها ليست بنفس القوة، فهل ستقف نيودلهي في طليعة الخط الأميركي المناهض للصين؟.
قد يزعج الصين اتفاق التعاون بين الولايات المتحدة والهند، لكنّه لن يكون سبباً لأي ضغوط قد تجبر الصين على تقديم أي تنازلات استراتيجية.
أمّا فيما يتعلق بالمالديف وسريلانكا فهما دولتان صغيرتان تكمن اهتماماتهما في الحفاظ على علاقات سليمة مع جميع القوى الكبرى من أجل كسب المزيد من الاستثمار وجذب المزيد من السياح، والولايات المتحدة لم تستثمر فيهما لأنهما لا تجتذبان السياح الأميركيين، لكن اقتراح وزير الخارجية الأميركي القيام بزيارة للبلدين فرض عليهما الترحيب به بحرارة مع احتمال أنّهما لن يقوما بإثارة ضجة كبيرة أو تقديم أي وعود، فالصين ضخّت ديناميكيات كبيرة في التنمية الاقتصادية للبلدين الآسيويين ويبدو أنه ليس لديهما سبب لمعارضة الصين لمجرد التقرب من الولايات المتحدة.
وبخصوص إندونيسيا، أكبر دولة في جنوب شرق آسيا، فهي لن تنسى أنها اشترت ذات مرة طائرات عسكرية من الولايات المتحدة وكان عليها أن تتحمل توقفاً في توريد مكونات الطائرات بسبب العقوبات الأميركية عليها، لهذا فمن السهل جداً على إندونيسيا معرفة أي من الدولتين، الصين أو الولايات المتحدة، يمكّنها من كسب المزيد من الاحترام والأرباح التنموية.
كما أنّه لا يوجد نزاع خطير حول بحر الصين الجنوبي بين جاكرتا وبكين، فقد أدار الجانبان خلافاتهما بشكل جيد وفعّال. وتتمثل المهمة الأساسية لإندونيسيا في تطوير نفسها بدلاً من مواجهة دولة كبيرة معينة أو التصرف كبيدق أميركي، وبلا شك، ستتصرف جاكرتا بحكمة ولن يستطيع مسؤول أميركي مثل بومبيو أن يخضعها لأجندة بلاده.
من الواضح أنّ نتيجة الزيارة للدول الآسيوية الأربعة لن تكون مرضية بالنسبة لبومبيو، وبصفته وزير خارجية البلد الأكثر تضرراً من فيروس كورونا، فقد سافر بشكل متكرر أكثر من نظرائه من البلدان الأخرى، وقد أدّى هذا إلى ازدياد خطر انتشار الفيروس التاجي إضافة إلى أنّه كان ينشر الفيروسات السياسية ويؤجج نيران العداء في العالم.
والواضح أنّ العديد من الدول لديها مشاعر متناقضة حول استقباله، لأنه لم يكن يأتي بنتائج بنّاءة بل كان هناك دائماً مطالب لهيمنة أميركية يصعب على الدول المضيفة الاستجابة لها.
لكن السؤال هو: لماذا على البلدان التي قام بومبيو بزيارتها والتي طلب منها الوقوف إلى جانب بلاده ضد الصين، أن تستجيب لطلبه؟ فالولايات المتحدة هي دولة متنمرة في الوقت الذي تعتبر فيه الصين الشريك التجاري الأكبر والرئيسي لتلك البلدان، ولذلك لن تكون محاولات بومبيو ضد الصين بموضع احترام وقبول أو ترحيب من قبل أي من هذه الدول.
إنّ بومبيو هو أحد أسوأ وزراء الخارجية في تاريخ الولايات المتحدة، لكنه يعتقد من وجهة نظره، أن باستطاعته أن يلعب دوراً هاماً في تغيير منطق العلاقات الدولية في عصر العولمة بمقالاته الملتهبة، وأنّ التاريخ سيكرمه عليها حسب رأيه طبعاً، لكنّ الحقيقة الواضحة هي أن التاريخ سيسخر منه باعتباره مهرجاً سياسياً يسبح عكس التيار التاريخي، ويرفض مواجهة الواقع.