الثورة أون لاين- فؤاد الوادي:
لا يتوقع أكثر المتفائلين بالرئيس الأميركي المنتخب حديثاً جو بايدن أن يكون أداؤه أفضل بكثير من أداء سلفه دونالد ترامب، ولاسيما على صعيد السياسة الخارجية، فهذه السياسة محكومة بعدد من الاعتبارات والثوابت يأتي في مقدمتها دعم وحماية الكيان الصهيوني الذي يشكل حالياُ أكبر وأضخم قاعدة عسكرية متقدمة للولايات المتحدة في منطقتنا والعالم، وأيضا الهيمنة على الاقتصاد العالمي وتوسيع النفوذ الأميركي إلى أبعد نقطة من كوكب الأرض وربما الفضاء الخارجي، وعقد الصفقات وإثارة المشكلات والحروب التي تجعل منها لاعباً أساسياً مهيمناً.
وقد أعلنها بايدن صراحة حتى وقبل أن يتولى منصب (نائب الرئيس) في إدارة أوباما، أن بلاده لن تتخلى عن دعم وحماية الكيان الصهيوني، وجاهر بولائه وانتمائه للصهيونية العالمية، وهذا بحد ذاته كفيل برسم عناوين وملامح ولايته الرئاسية بشكل كامل، لكن بعيداً عن السياسة الاستراتيجية التي ترسمها وتصنعها الدولة العميقة التي تتحكم فيها مافيات ولوبيات المال وإمبراطوريات الإعلام وشركات النفط والشركات الرأسمالية الكبرى، فإن بايدن وربما بأسلوب الحرب الناعمة أكثر دبلوماسية وحنكة من ترامب في التعبير والإعلان عن سياساته الخارجية حيال قضايا وأزمات المنطقة والعالم، وهو بذلك يحاول الاستفادة من أخطاء سلفه الذي أساء في تعاطيه مع الخصوم والحلفاء والأتباع وأضعف مكانة أميركا في العالم، حيث وضع الجميع في حظيرة الابتزاز والضغط مقابل الرعاية والحماية الأميركية لأمنهم ووجودهم، وهذا ما قد يدفع بالرئيس الجديد لانتهاج خط جديد ولكن ربما أكثر شراسة في استعادة ما أسماها (ريادة) أميركا بعد أن اتهم ترامب بإضاعتها وإهانتها، الأمر الذي يشرع الأبواب على مصراعيها أمام مرحلة جديدة غير واضحة الملامح، وعلى الجميع انتظار العشرين من كانون الثاني القادم (يوم الاستلام والتسليم في البيت الأبيض) لمعرفة محاور هذه السياسة وتفاصيلها.
غير أن بايدن قبل أن يدخل إلى البيت الأبيض ألمح لمشروعه خلال خطاب “النصر” الذي ألقاه، وهو استعادة مكانة أميركا المتآكلة ووضعه كهدف أسمى على حد زعمه، في محاولة منه لجعل أميركا تقود العالم من جديد، وهذا بحد ذاته مؤشر على أنه سيدفع بالعالم إلى دوامة من الصراعات في عدة ملفات دولية، مثل إعادة ترتيب وصياغة علاقات بلاده مع روسيا والصين من منطلق القوة والأحادية والتفرد، وإعادة ترميم العلاقات التي صدعها ترامب مع الحلفاء الأوروبيين، لكن ما يتجاهله الرئيس الجديد حتى اللحظة أن العالم يمور على فوهة بركان، وأن بلاده لم تعد القوة الوحيدة الفاعلة والمؤثرة في قضايا الصراع والتوازن العالمي.
بايدن الذي كان سيناتوراً لمدّة 36 عاماً هو سياسي عتيق ومندفع، وله سوابق في الدفع نحو التصعيد والحروب، لاسيما وأنه كان من الداعمين لغزو العراق، وكان له خطة لتقسيم هذا البلد، لذلك ليس من المستبعد أن يبدأ ولايته باندفاعة جديدة نحو التصعيد في إطار ما يسعى إليه وهو (استعادة الهيبة الأميركية)، سواء مع الصين أو مع روسيا أو مع إيران.
في العموم لا يختلف بايدن عن أسلافه كثيراً وإن اختاره الأميركيون بسبب حماقات ترامب، فكلاهما منفذ أو أداة تنفيذية للاستراتيجية الأميركية التي ترسمها وتصنعها (الدولة العميقة) التي تسيطر الصهيونية العالمية على معظم مراكز القوى فيها، لذلك لن تكون أميركا في عهده أقل توحشاً وإجراماً، بل ربما تخنق العالم بقفازات حريرية، وهذا ما تؤكده لنا تجارب العقود الماضية لمعظم الرؤساء الأميركيين الذين كانوا يختلفون بالشكل، ولكن كان الجميع في خدمة مصالح وأطماع بلده الاستعمارية، ولم يقل أحدهما عن الآخر في الولاء أو الدعم للكيان الصهيوني الذي كان شريكاً أساسياً في وصول الكثير من الرؤساء الأميركيين إلى البيت الأبيض وصانعاً أساسياً لقراراتهم أيضاً.