الثورة أون لاين – تحقيق- هيثم يحيى محمد:
تعاني بلدنا منذ سنوات عديدة من سوء الواقع الكهربائي وقد ازداد هذا الواقع سوءاً في سنوات الحرب الظالمة عليها، بسبب قلة الطاقة التقليدية اللازمة لإنتاج الكهرباء من محطات التوليد القائمة، وبسبب تدمير بعض المحطات من قبل الاٍرهاب، لكن رغم ذلك ورغم وجود القانون رقم 32 لعام 2010 الذي يشجع على إقامة مشاريع الطاقات المتجددة (الرياح-الشمس )، فقد بقينا بعيدين عن استخدام هذه الطاقات لأسباب ذاتية وأخرى قد تكون موضوعية.
في مركز بحوث الطاقة
في هذه المادة حاولنا الإحاطة بهذا الموضوع من جوانب مختلفة من خلال لقاء أجرته (الثورة) مع الدكتور يونس علي مدير عام مركز بحوث الطاقة في بلدنا ومع احد المختصين في هذا المجال
بداية قلنا للدكتور يونس ان سورية لم تشهد في السنوات الماضية إقامة مشاريع الطاقة البديلة (رياح-طاقة شمسية..الخ)، بعكس توجهات الدولة التي أكدت على التوسع بهذه المشاريع والتي اصدرت القانون 32 لعام 2010 ما أسباب ذلك برأيكم؟ وما المطلوب حاضراً ومستقبلاً من الدولة والمستثمرين والمستهلكين للتوسع بهذه المشاريع والاعتماد على الطاقة البديلة بدل التقليدية؟
توجه عالمي..
وقد أجاب د.علي بالقول: إن التوجه نحو الطاقات المتجددة أصبح توجهاً عالمياً واضح المعالم منذ تسعينيات القرن السابق، وقد ارتفعت وتيرة التوسع في تطبيقات الطاقات المتجددة في كثير من دول العالم ولا سيما مع بداية الألفية الثالثة وذلك لعدة أسباب أهمها، ازدياد الاهتمام بموضوع الحفاظ على البيئة، كون مصادر الطاقات المتجددة تعتبر صديقة للبيئة وتساهم في التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي يسبب احتراقه في محطات توليد الكهرباء انبعاث الغازات الدفيئة الضارة ولا سيما غاز ثاني أوكسيد الكربون.
إلى جانب الانخفاض غير المسبوق وبشكل مستمر بأسعار تجهيزات وتقنيات الطاقات المتجددة ولا سيما تقنيات اللواقط الكهروضوئية على سبيل المثال في عام 2010 كان وسطي تكلفة انشاء محطة كهروضوئية مفتاح باليد حوالي 4 مليون دولار.. اليوم انخفض هذا الرقم ليصل في عام 2020 إلى حوالي 600 ألف دولار فقط ويتوقع أن ينخفض إلى أكثر من ذلك خلال السنوات القادمة.
وتوجه معظم دول العالم ولا سيما الدول المستوردة للنفظ والأنواع الأخرى من الوقود الأحفوري لتخفيض الفاتورة الطاقية وخاصة مع ارتفاع اسعار النفط والغاز عالمياً خلال العقدين الاخيرين.
وسعي بعض الدول المتقدمة تكنولوجياً وخاصة التي بدأت بتصنيع تقنيات الطاقات المتجددة منذ أواخر القرن السابق إلى الترويج لهذه التقنيات وخلق سوق عالمي لتسويقها وتطويرها، وذلك من خلال تكريس توجه عالمي في مجال التوسع في استخدام الطاقات المتجددة والتشجيع عليه بحيث تتبنى دول العالم هذا التوجه وتعتمد برامج وطنية خاصة بذلك.
الهدف الرئيسي..
أي أنه بالخلاصة الهدف الرئيسي من استخدام الطاقات المتجددة في معظم دول العالم كان لأسباب بيئية واقتصادية بالدرجة الأولى، أي لتوفير الوقود ولتخفيض الاعتماد عليه وليس لتأمين الطلب على الكهرباء.
ويتابع الدكتور علي قائلاً: إن إدخال الطاقات المتجددة في أي منظومة كهربائية يتطلب أن تكون هذه المنظومة مستقرة وموثوقة إلى حد كبير، لأن ادخال مشاريع الطاقات المتجددة في أي منظومة كهربائية يؤدي إلى تسبب عدم استقرار في هذه المنظومة، لأن عمل مشاريع الطاقات المتجددة ولا سيما الشمسية والريحية بالأساس غير مستقر لأنه يعتمد على مصادر طاقة غير مستقرة، فالإشعاع الشمسي يتغير لحظياً خلال أوقات اليوم الواحد وكذلك الرياح ليست دائمة وثابتة بالتالي الاستطاعة الكهربائية اللحظية المنتجة من المشاريع الشمسية والريحية متغيرة وغير مستقرة، ما قد يؤدي إلى عدم استقرار المنظومة الكهربائية المربوطة معها، لذلك توضع دائماً وفقاً لطبيعة وحالة المنظومة الكهربائية في أي بلد شروط ومعايير فنية لربط وادخال مشاريع الطاقات المتجددة فيها بحيث لا تسبب اضطرابات وحالات عدم استقرار في المنظومة، ومن أهم هذه المعايير على سبيل المثال هو اجمالي استطاعة مشاريع الطاقات المتجددة التي يمكن ربطها على الشبكة الكهربائية العامة.
المعيار في سورية..
فعلى سبيل المثال حدد هذا المعيار للمنظومة السورية بحيث لا تتجاوز عشرة بالمئة من الاستطاعة الاجمالية للمنظومة التقليدية وهذه النسبة قد تختلف من منظومة إلى اخرى.
مضيفاً: إن أهم عامل يميز ويكسب أي منظومة كهربائية خاصية الاستقرار والموثوقية هو وجود احتياطي دوار من الاستطاعة المركبة لمجموعات التوليد التقليدية، وبقدر ما تكون قيمة هذا الاحتياطي كبيرة بقدر ما تكون المنظومة الكهربائية مستقرة وموثوقة، أي إنها قادرة على التأقلم والتكيف مع كل المتغيرات التي قد تحصل في المنظومة، سواء على جانب التوليد أو على جانب الطلب والأحمال، حيث قد يصل هذا الاحتياطي في بعض المنظومات إلى حوالي أربعين بالمئة، بالتالي وجود هذا الاحتياطي يؤهل المنظومة لأن تستوعب وتدخل استطاعة أكبر من مشاريع الطاقات المتجددة دون أن تسبب هذه المشاريع أي خلل في عمل المنظومة، أما إذا كانت المنظومة الكهربائية تعمل بدون احتياطي كما هو حال المنظومة الكهربائية السورية في الوقت الراهن لأسباب معروفة خلفتها الحرب الظالمة على سورية منذ عام 2011، حيث إن المنظومة تعمل دائماً في ظروف حدية بسبب عدم وجود توازن ما بين الإنتاج من جهة والاستهلاك من جهة أخرى، مما يضطر إلى اتباع إدارة العجز عن طريق تطبيق برامج التقنين، في مثل هذه الحالات يصبح موضوع إدخال وربط مشاريع الطاقات المتجددة مع الشبكة العامة أمراً يجب دراسته بعناية ودقة لتجنب تسبب هذه المشاريع في زيادة عدم استقراها الموجود أصلاً بفعل واقعها الحالي.
نتائج عكسية:
أي يمكن القول بأن ربط مشاريع الطاقات المتجددة مع شبكة غير مستقرة كما هي الحالة السورية ليس فقط لن يؤدي إلى تحسين واقع الكهرباء وتخفيف ساعات التقنين كون هذه المشاريع بالأساس تتوقف عن العمل وإنتاج الكهرباء خلال أوقات التقنين، وإنما وجودها قد يزيد من عوامل عدم استقرار المنظومة الكهربائية.
لاشك ان الطاقات المتجددة هي وصفة عامة صحيحة لتحسين الواقع الطاقي في أي بلد لناحية توفير الوقود والحفاظ على البيئة،ولكن المهم ان يتم تطبيق هذه الوصفة بالطريقة التي تتلاءم مع واقع البلد وواقع منظومته الكهربائية.
الحل الأمثل:
والسؤال الذي يطرح هنا: ما هي الطريقة والسبيل الأمثل لاستخدام مصادر الطاقات المتجددة في سورية ضمن الظروف الحالية المتعلقة بواقع المنظومة الكهربائية؟
يجيب مدير بحوث الطاقة بالقول: الحل الأفضل والمناسب للواقع السوري الحالي هو استخدام تطبيقات الطاقات المتجددة من قبل مستهلكي الكهرباء وليس كمشاريع استثمارية تضخ الكهرباء المنتجة منها في الشبكة العامة، أي أن يصبح مستهلك الطاقة هو منتج للطاقة التي يحتاجها ..
على سبيل المثال تركيب سخانات شمسية أو منظومات كهروضوئية على أسطح المنازل لتأمين المياه الساخنة وجزء أو كل الكهرباء اللازمة للمنزل هو من أفضل الاستخدامات، كذلك الاستفادة من بعض تطبيقات الطاقات المتجددة في المعامل والمصانع وفي ضخ المياه وغيرها، في هذه الحالة ستساهم هذه المشاربع، ولاسيما في حال انتشارها في تخفيض قيمة الطلب والأحمال الكهربائية في المنظومة الكهربائية وبالتالي تساهم في تحقيق توازن أكثر استقراراً بين المتاح في التوليد والأحمال، ويؤدي إلى تخفيض حالة التقنين، بالإضافة إلى ان استخدام هذه الطريقة سيشعر مستهلك الطاقة بالأثر الايجابي للطاقات المتجددة سوءاً لناحية تأمين حاجته من الطاقة بشكل مستقل عن الشبكة الكهربائية، أو لناحية توفير فواتير الكهرباء والطاقة بشكل عام.
مشاريع استثمارية:
والسؤال الذي يمكن أن يطرح في هذه الحالة ماذا عن الاستثمار الخاص والمشاريع الاستثمارية للطاقات المتجددة التي يشجع عليها قانون الكهرباء رقم /32/ لعام 2010؟
يقول الدكتور علي: شهد واقع المنظومة الكهربائية السورية خلال الفترة من عام 2000 ولغاية 2010 تطوراً كبيراً وتميزت هذه المنظومة بمستوى عال من الموثوقية والاستقرار وامتلكت احتياطي دوار من الاستطاعة المركبة، حيث وصلت اجمالي الاستطاعة المركبة لمجموعات التوليد حوالي 8300 ميغاواط، وكان انتاج الكهرباء يغطي كامل الطلب وكان هناك تصدير إلى الدول المجاورة، وكان الربط الكهربائي مع مصر والأردن قائماً في حينه، وكانت هناك خطط لتوسيع الربط الكهربائي ليشمل بقية دول الجوار، أي أن الواقع الفني للمنظومة الكهربائية في عام 2010 كان مؤهلاً ومناسباً لإدخال مشاريع الطاقات المتجددة باستطاعة اجمالية قد تصل الى حوالي 1000 ميغا واط، إلا أنه في ذلك الحين عام 2010 كانت التكلفة التأسيسية لمشاريع الطاقات المتجددة مرتفعة وتحتاج إلى استثمارات كبيرة، فكان أحد أهم أهداف القانون 32 لعام 2010 هو افساح المجال أمام القطاع الخاص وتشجيعه على الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة، لتجنيب خزينة الدولة التكاليف التأسيسية الضخمة، بالتالي تبقى مساهمة المشاريع الاستثمارية الكبيرة للطاقات المتجددة خياراً مهماً من الناحية الاستراتيجية وعلى المدى المتوسط والبعيد، لا سيما بعد أن يتم إعادة تأهيل المنظومة الكهربائية وإصلاح ما دمرته الحرب، واستعادة قدرتها وتوازنها واستقرارها، لكن يبقى الخيار الأنسب حالياً في ظل الواقع الفني لهذه المنظومة، هو التوجه نحو المشاريع الصغيرة الموزعة التي تقام من قبل مستهلكي الطاقة لتأمين حاجتهم، أو جزء منها بالاعتماد على المصادر التقليدية.
تشاركية مع القطاع الخاص..
وأضاف: إن افساح المجال للقطاع الخاص بإقامة مشاريع الطاقات المتجددة استناداً إلى القانون يجب أن ينظر إليه من منظور التشاركية بين القطاع العام والقطاع الخاص، حيث في نهاية المطاف انتاج الكهرباء هو استثمار جيد ومفيد من وجهة النظر الاقتصادية، باعتباره يوجه الرأسمال الوطني المتاح للاستثمار في الانتاج.
بالتالي أسس هذه الشراكة يجب أن تكون على قاعدة رابح- رابح…، أي ان الدولة تربح والمستثمر يربح، وبإسقاط هذه القاعدة على مشاريع الطاقات المتجددة بهدف بيع الكهرباء المنتجة منها إلى وزارة الكهرباء، فإن ربح الوزارة يتجسد بأن يكون سعر شراء الكهرباء من مشاريع الطاقات المتجددة أقل من تكلفة انتاجه بالطرق التقليدية.
أما ربح المستثمر فيكون في حال كان سعر بيع الكهرباء أكبر من سعر تكلفته في مشروعه، وأن يكون هامش الربح بين سعر المبيع والتكلفة كاف لجعل المشروع ذي ريعية ويحقق معايير الجدوى الاقتصادية من منظور المستثمر، من خلال عدة مؤشرات كمعدل العائد الداخلي من المشروع بحيث لا يقل عن أعلى نسبة فوائد اقراض متاحة في البلد؛ أو أن تكون فترة استرداد رأس المال بين 6 إلى 8 سنوات، كون عمر مشاريع الطاقات المتجددة 25 سنة وتبلغ تكلفة الكيلوواط ساعي واصل على التوتر المنخفض وفق الأسعار الحالية للوقود حوالي 107 ليرة.
في حين يقدر وسطي تكلفة الكيلواط ساعي على مدى العمر الاستثماري المنتج من المشاريع الكهروضوئية، على سبيل المثال بالأسعار الحالية حوالي 35 ليرة، وبالتالي السعر الحالي لشراء الكهرباء من اللواقط الكهروضوئية المحدد بقرار مجلس الوزراء الصادر برقم 1113 لعام 2020 والذي يساوي 7 سنت يورو للكيلوواط ساعي ( 4.1 سنت يورو حسب سعر السوق) أي ما يعادل حوالي 105.ليرة وفق سعر صرف اليورو الرسمي الحالي الصادر عن مصرف سورية المركزي والذي يمكن أن يتغير مع تغير السياسة النقدية وتغير الوضع الاقتصادي، أي ان هذا السعر يحقق إلى حد كبير معادلة رابح – رابح، مع العلم بأن وزارة الكهرباء تلتزم بالحفاظ على سعر الشراء المذكور بعملة اليورو لمدة 25 سنة على أن يتم التسديد بالليرة السورية حسب سعر الصرف الرسمي، بالتالي هذا الأمر يعطي طمأنينة وتشجيع للمستثمرين ويزيل إلى حد كبير مخاطر الاستثمار في هذا المجال التي يمكن ان تنجم عن تقلبات سعر الصرف خلال العمر الاستثماري للمشروع.
ومن جهة أخرى في حال تمويل هذه المشاريع بقروض ميسرة كما هو ضمن برنامج دعم الفائدة مثلاً اي ان المستثمر يمكنه الحصول على قرض بفوائد بحوالي خمسة بالمئة فقط، في حين يساهم برنامج دعم الفائدة بتغطية سبعة بالمئة، أي ان تكلفة رأس المال التأسيسي في هذه الحالة ستكون منخفضة وتزيد من الجدوى الاقتصادية للمشروع بالنسبة للمستثمر، ولا سيما أن اسعار شراء الكهرباء المحددة بالقرار الجديد 1113 تم تحديدها على أساس ان قيمة العائد الداخلي للمشروع لا تقل عن ثلاثة عشرة بالمئة.
رأي لمختص..
ناقشنا ما تقدم مع المهندس إياد دونا وهو أحد المختصين والمتابعين لموضوع الطاقات المتجددة عالمياً وعلى الصعيد المحلي فعلق على بعض النقاط التي وردت قائلاً: ان الطاقة المولدة من المصادر المتجددة تجاوزت الاستهلاك الطاقي في عدة أيام من السنة في ألمانيا وهذا يدل على ان الهدف من الطاقات المتجددة ليس لمجرد أهداف بيئية أو اقتصادية، بل ان الاتجاه الحالي في الشبكات الكهربائية في معظم دول العالم هو توليد الكهرباء الموزع جغرافياً وتحقيق الأمن الطاقي.
وأضاف دونا: إن تركيب منظومات الطاقة الشمسية كطاقة متجددة يخفف من الحالات الحرجة ويقلل العجز، فكيف تم تحديد معيار العشرة بالمئة؟ وتساءل كيف سيقوم الناس باستخدام الطاقة الشمسية المكلفة بينما سعر الكيلواط الساعي وحوامل الطاقة مدعومة؟
بصراحة لا احد يستثمر في مشروع لن يسترد تكلفته طيلة فترة حياته التشغيلية لذلك يجب تغيير سياسة الدعم حتى يقوم المستهلكون بتركيب منظومات طاقة شمسية تحقق الاكتفاء الذاتي.
وقال: ان فترة الاسترداد من ثماني إلى عشر سنوات مع الأخذ بعين الاعتبار سعر الصرف في السوق ناهيك عن ارتفاع سعر السوق بدون متابعة من سعر مصرف سورية المركزي والكلام عن رابح –رابح، لا يلامس واقع سعر صرف السوق والمعادلة هي الكل خاسر علماً، ان الأرقام التي وردت عن التكلفة وما يقابلها باليورو غير دقيقة، مشيراً إلى أنه في معظم الدول سعر الفائدة للطاقة المتجددة 1% (واحد بالمئة فقط) وليس سبعة بالمئة.
اقتراح..
واختتم دونا باقتراح دراسة هذا الملف بشكل دقيق وبالتشاركية بين العام والخاص وكل المعنيين، والعمل للتشجيع على استخدام الطاقات المتجددة في توليد الكهرباء والتسخين والإنارة كما هو الحال في الكثير من دول العالم ومنها عدد من الدول العربية.