تخيم على الولايات المتحدة اليوم ما يمكن تسميته حالة عدم اليقين، لجهة تسليم دونالد ترامب بهزيمته في الانتخابات ورضوخه لإجراءات الانتقال السلمي للسلطة، أو سعيه لعرقلة وصول الرئيس المنتخب جو بايدين إلى البيت الأبيض في العشرين من شهر كانون الثاني، هو كان قد أقر ضمنياً بهزيمته قبل أيام، وأوعز لفريقه بتسهيل عملية انتقال السلطة، ولكنه في ذات الوقت مستمر في العزف على وتر إثارة الفوضى لتمكين نفسه من احتلال البيت البيضاوي، وهذا ما تدل عليه تصريحاته المتواترة حول تشكيكه بنتائج التصويت، وآخر هذه التصريحات أنه لن يسمح لبايدن “دخول البيت الأبيض كرئيس إلا إذا تمكن من إثبات أن الـ 80 مليون صوت لم يتم الحصول عليها بطريقة احتيالية أو غير قانونية”، وقبلها بيوم دعا أنصاره إلى العمل على قلب نتيجة الانتخابات، ولا ينفك يردد عبارة “الانتخابات مزورة مئة بالمئة”، وبهذا يكون قد أبقى الباب مفتوحاً لاحتمال حدوث أعمال فوضى وعنف في الداخل الأميركي، واستثمار التداعيات المترتبة على ذلك في الخارج.
قد تكون تصريحات ترامب نوعاً من الإرهاب النفسي ضد خصومه “الديمقراطيين” من جهة، وضد دول خارجية يضمر لها الشر والعدوان من جهة ثانية، ولكن بحكم نزعته النرجسية، والعلاقة القوية التي تربطه بالإرهابي نتنياهو، فإن احتمال إقدامه على ارتكاب حماقة عسكرية يبقى وارداً، لتوريط بايدين بحرب ستكون تداعياتها كارثية على أمن المنطقة، وربما العالم أجمع، وهو يبني على إجراءاته السابقة بهذا الشأن، فبعد أن أفرغ البنتاغون من معارضي نزواته العسكرية، ثمة تحركات جديدة للسفن الحربية الاميركية في منطقة الخليج، وذلك بالتوازي مع التحركات المشبوهة التي يجريها القائم بأعمال وزارة الحرب كريستوفر ميلر في المنطقة، وبالنظر إلى حزم العقوبات المتصاعدة ضد طهران، وجريمة اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، والتي تحمل بصمات إسرائيلية وأميركية واضحة، فإن ذلك يعد جزءاً من الحرب، ومقدمة لتصعيدها في الأيام القادمة.
استهداف إيران سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، لم يخرج لحظة واحدة عن أجندة ترامب منذ تسلمه السلطة قبل أربع سنوات، وبدأها بانتهاك الاتفاق النووي والانسحاب منه، واليوم يحشد عسكرياً ضدها بدافع انتقامي، وتحريض صهيوني، وحكومة الإرهابي نتنياهو تهيئ له الأرضية لتوسيع دائرة العدوان، وجريمة اغتيال فخري زادة بهذا التوقيت يراد منها استدراج إيران للرد، بما يفضي لفرض واقع عسكري يضع المنطقة بحالة حرب، يصعب معها على إدارة بايدن القادمة احتواؤها، ولا يترك أمامها أي خيار سياسي بحال كانت تفكر بالعودة إلى الاتفاق النووي، ولكن هنا يتبادر سؤال إلى الذهن: أليس بايدن نفسه على علم بكل تفصيل بمجريات تلك الأحداث المتسارعة، بعدما بات يتلقى نسخة من تقارير الاستخبارات السرية اليومية التي ترفع إلى الرئيس، ضمن سلسلة إجراءات تسيير نقل السلطة التي وافق عليها ترامب مؤخراً؟ فهذا يشي بالكثير من التكهنات.
الفترة المتبقية من عمر الإدارة الأميركية الحالية تنبئ بمخاطر كبيرة تهدد الأمن والسلم الدوليين، حيث كرة التصعيد المتدحرجة تضع المنطقة أمام استحضار عناوين جديدة تعد لها واشنطن، خطورتها تكمن بسياسات ترامب المبنية على ردات فعل غير مدروسة، غالباً ما تأتي بنتائج عكسية، هو يريد الانتقام لهزيمة مشروعه ومخططاته العدوانية ضد محور المقاومة بالهروب نحو جر الأمور إلى العسكرة والعدوان، ولكن هل سيسلم جنوده وقواعده العسكرية المنتشرة في المنطقة من ارتدادات أي حماقة أو مغامرة عسكرية يرتكبها ضد إيران؟، وهل سيكون الكيان الصهيوني – رأس الحربة في الدفع نحو إشعال المنطقة – في مأمن من التداعيات؟.. تطورات الأحداث القادمة ستكشف ذلك.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر