الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
من اللحظة التي اغتيل فيها العالم الإيراني محسن فخري زادة إلى اللحظة التي يتأكد فيها العالم أجمع أن الكيان الصهيوني هو من يقف وراء هذه الجريمة النكراء ونظيراتها – وهي حقيقة لا لبس فيها لدى كل من يعرفون كم استهدف هذا الكيان المجرم من عقول والخبرات العلمية في المنطقة – ينبغي أن ينشط المجتمع الدولي وعلى رأسه منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي على خط اتخاذ موقف حاسم وموحد من مثل هذه الجرائم وإدانتها ومحاسبة من يقوم بارتكابها ويحرض عليها ، بالنظر لخطورتها على أمن واستقرار العالم ، وذلك لمنع تكرارها في المستقبل ، إذ يمكن لجرائم من هذا النوع أن تتسبب بحروب كارثية ، وقد شن الكيان الصهيوني نفسه العديد من الحرب المدمرة في المنطقة سواء ضد لبنان أو قطاع غزة متذرعاً بحوادث لا يمكن مقارنتها بأي حال مع هذه الجريمة النكراء .
يُشهد لإيران أنها انتهجت سياسة هادئة ومتزنة .. إلى جانب تعاطيها بدبلوماسية عقلانية وحكيمة إزاء كل الملفات المطروحة أمامها ، حيث كان لمثل هذه السياسة الفضل الأكبر في توقيع الاتفاق النووي التاريخي مع السداسية الدولية عام 2015 بعد نحو 13 سنة من المفاوضات ، كما واجهت إيران أزمات داخلية وخارجية صعبة ، واستطاعت التغلب عليها بحكمة ورباطة جأش نتيجة العقل والحكمة وبرودة الأعصاب ، ورغم كل ذلك هي ليست في وارد السكوت على جريمة إرهابية استهدفت واحداً من أبرز عقولها العلمية ومسّت بكبريائها الوطني ، وهي تجد نفسها مطالبة بردع المجرمين ومنعهم من تكرار فعلتهم ، الأمر الذي يضع المنطقة أمام خيارات صعبة في المرحلة القادمة قد لا تتحمل تداعياتها ، ولا جدال في أن من ارتكب هذه الجريمة المدانة أو من شجع عليها هو الذي تقع عليه المسؤولية لأنه يعبث بأمن المنطقة ويشعل فتيل التوتر فيها ، وهو الذي يحرِّض على العنف والحروب والإرهاب ويخلق الأزمات بأفعاله الشريرة ، ومعلوم لدى الجميع – سواء اعترف حكام الكيان أم أنكروا أو تحفظوا أم تجاهلوا – أن أدواتهم وعملاءهم هم من نفذوا هذه الجريمة ونظيراتها في السنوات الماضية ، فلدى هذا الكيان الغاصب منذ نشأته المشبوهة سياسة واضحة تقوم على قتل واغتيال كل من يقاوم إرهابه واحتلاله وسياساته العدوانية إلى جانب اغتيال كل الطاقات والكوادر العلمية المبدعة التي تشكل خطراً – من وجهة نظره – على ” تفوقه العلمي والعسكري ” .
من المعلوم أن حكومة العدو الصهيوني بجريمتها هذه لا تستهدف البرنامج النووي الإيراني فقط – وهو برنامج سلمي باعتراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية – لأنه يشكل خطراً عليها، بل تستهدف أيضا إيران ” الدولة والنظام والشعب والثورة ” التي تقاوم وتناهض العدوان والاحتلال ، وتدعم الحق الفلسطيني والعربي ، وتقف إلى جانب الشعوب المستضعفة والمناضلة من أجل التحرر والتخلص من الاضطهاد والظلم والاحتلال والعدوان ، وهذا هو جوهر القلق عند الإسرائيليين لأن كيانهم بالأساس يقوم على الاحتلال والعدوان والاستيطان ومصادرة حقوق وأراضي وثروات الآخرين ، فقبل قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 كان نظام الشاه البائد صديقاً وحليفاً للكيان الإسرائيلي الذي لم يكن لديه أي مشكلة مع أي نشاط أو مشروع نووي إيراني ، أو مع أي نفوذ لإيران خارج حدودها ، وهذا ما ينبغي أن يفهمه محور ” الاعتدال والتطبيع ” العربي الذي انزلق من دون بصيرة وبضغط من واشنطن في متاهة لا يعرف إلى أين تودي به ، فأي حرب قد تندلع في المنطقة نتيجة السلوكيات الإجرامية الإسرائيلية أو الضغوط الأميركية على إيران ستدفع ثمنها المنطقة برمتها ، وقد يدفع أولئك الذين استبدلوا العلاقة الطيبة مع إيران بتحالف شيطاني مع الكيان الصهيوني الثمن الأكثر فداحة .!
ولعل السؤال الذي يطرح اليوم .. متى يوضع حد للعدوانية الإسرائيلية المتمادية.. ومتى يُحاسب حكام الكيان الإرهابيون على جرائمهم المتكررة التي بلغت حداً لا يمكن السكوت عليه..؟ إن صمت المجتمع الدولي إزاء هذه الجرائم وتلكؤه عن القيام بدوره الرافض والمعارض للعربدة والإرهاب الإسرائيلي سيشعل المنطقة ، المنطقة التي لم تعد تحتمل حرائق جديدة من قبل مشعلي الحرائق ، بعد أن ملأتها واشنطن وأدواتها بالحرائق والحروب المتنقلة ، وإن الوقوف إلى جانب إيران ودعم موقفها في هذه القضية وفي قضية رفع العقوبات الظالمة عنها قد يلجم العدوانية الصهيونية ويردع حكام الكيان عما يخططون له من جرائم في المستقبل ، وربما يحافظ على الحد الأدنى من السلام والهدوء في المنطقة ، السلام الذي تحتاجه المنطقة أكثر من أي وقت مضى وليس ” السلام ” الأكذوبة والخدعة التي روجت له إدارة ترامب على إيقاع الجرائم والاغتيالات وسفك الدماء وتجويع الشعوب وحصارها ونهب خيراتها والاعتداء على كرامتها وسيادتها .
المفارقة المثيرة للاستغراب والاستنكار في آنٍ واحد أنه في الوقت الذي تتكرر فيه جرائم الاغتيال والاعتداءات الإسرائيلية.