الثورة اون لاين – ترجمة ختام أحمد:
في 28 كانون الثاني الماضي، تحدى رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون ، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأعلن أنه لن يحظر شركةHuawei و شبكة 5G الصينيتين في المملكة المتحدة، وبدلاً من ذلك، قرر السماح لهما بالحصول على حصة تصل إلى 35٪ في المناطق غير الحساسة من الشبكة.
كان رد الفعل الأمريكي فورياً، حيث أعلن المتحدث باسم ترامب أن “الولايات المتحدة تشعر بخيبة أمل من قرار المملكة المتحدة”، وأما وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو فطلب من جونسون التراجع عن قراره.
في 14 حزيران، استسلم جونسون رسميًا، لأنه كان يحاول عقد صفقة تجارية مع الولايات المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد تعهد بإنهاء مشاركة Huawei بحلول عام 2027، منذ ذلك الحين، صار بومبيو يقوده بالضبط كما يريد، لقد تخيل جونسون أنه بمجرد الاتفاق مع شركة Huawei، ستتراجع الولايات المتحدة، فقد كان في حالة تكبّر وتعجرف مع حلفائه وخاصة تحالف “Five Eye العيون الخمس” الاستخباراتي، الذي يضم أستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إلا أن كل ذلك تغير الآن.
إذ لم تهيمن الولايات المتحدة على التحالف فحسب، بل تم تغيير تفويضها الخاص بجمع المعلومات الاستخبارية نظرًا للعداوة القائمة الآن بين أمريكا والصين، ويرى بومبيو أن “العيون الخمس” هي مجموعة يمكن استخدامها لزعزعة استقرار الصين، بعد سن قانون الأمن القومي لهونغ كونغ في 30 حزيران، من أجل إنهاء التخريب والهجمات الإرهابية في المدينة، وردع التدخل الأجنبي في شؤونها، أعلن بومبيو وهو ” يتوقع فقدان نفوذهم في المنطقة ” عن عمليات انتقامية مختلفة وكان هدفه المعلن هو الإضرار بمصالح هونغ كونغ، على أمل أن يؤدي ذلك أيضًا إلى إضعاف الصين “الهدف الأسمى للسياسة الخارجية الأمريكية “، عندما طلب بومبيو من شركائه أن يحذوا حذوه، سارعوا مكرهين لتقديم الطاعة، لم يكن البعض منهم حريصاً على توقيع اتفاقيات تجارية مع الولايات المتحدة مثل نيوزيلندا والمملكة المتحدة، ولكنهم جميعًا كانوا يحرصون على تجنب استياء بومبيو.
على الرغم من أن قوانين الأمن القومي لديهم صارمة وخاصة جداً ، إلا أن أيا منهم لم يتوانَ ولو لرمشة عين في الاستجابة لأوامر بومبيو عندما طلب منهم العداء لهونغ كونغ، لقد علّقوا بسهولة معاهدات تسليم المجرمين مع المدينة، ومن غير المفاجئ أن يكون رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو هو أول من خرج وتبنى رواية بومبيو المناهضة للصين، وأعلن أنه بعد سن قانون الأمن القومي، تم تهديد “دولة واحدة ونظامين”، بينما كان العكس بالطبع صحيحاً، وكان ذلك على وجه التحديد بسبب افتقار هونغ كونغ لقوانين الأمن القومي الخاصة بها، مما جعل القوى المعادية قادرة على استغلال الفراغ الناتج، باستخدام المدينة كقاعدة لزعزعة استقرار الصين.
على الرغم من أن القانون الجديد يوفر الآن لهونغ كونغ وسائل لحماية نفسها، فإن رد فعل ترودو، المأخوذ مباشرة من دليل بومبيو، كان تعليق عودة المجرمين الهاربين وحظر تصدير المواد العسكرية الحساسة، وفي محاولة يائسة لتبرير سلوك ترودو، ذهب وزير خارجيته فرانسوا فيليب شامبين إلى حد الادعاء بأن الصين “أظهرت تجاهلاً للقانون الأساسي لهونغ كونغ ودرجة عالية من انتقاص الحكم الذاتي الخاص بهونغ كونغ في ظل” دولة واحدة وفي إطار نظامين”، كان هذا بالطبع مثيرًا للضحك، وأظهر أنه لم يكن على دراية كاملة بأن المسؤولية النهائية عن الأمن القومي في الصين، كما في كندا، لا تقع على عاتق الجمعية الإقليمية، ولكن على عاتق البرلمان الوطني.
ونظرًا لأن حكومة هونغ كونغ لم تتمكن بسبب العنف من سن قوانينها الخاصة لحماية أمنها القومي، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها البقاء في “دولة واحدة ونظامان” هي قيام السلطات المركزية بحماية المدينة من التهديدات التي واجهتها، ومع ذلك، لم تكن أي دولة أكثر حرصاً على إرضاء بومبيو من أستراليا، التي كانت تُعتبر سابقاً واحدة من أفضل أصدقاء هونغ كونغ، حيث قام رئيس وزرائها سكوت موريسون بحظر شركة Huawei، وقام بسلسلة من الإجراءات الوحشية ضد هونغ كونغ، لا تهدف فقط لتقويض نظامها القانوني بل تشل اقتصادها، بصرف النظر عن تعليق ترتيبات تسليم الهاربين، كما حذّر الأستراليين من زيارة هونغ كونغ، مستحضراً رؤية بائسة للسياح الذين يتم القبض عليهم بتهم غامضة بموجب قانون الأمن القومي، ثم نقلهم إلى بكين لمحاكمتهم، كما شجع الشركات المحلية في هونغ كونغ على الانتقال إلى أستراليا.
علاوة على ذلك، ففي 9 آب هبطت “العيون الخمس” إلى مستوى جديد من العداء لهونغ كونغ، عندما أدانتها بسبب تأجيلها الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في 6 أيلول، لمدة عام ، بسبب مخاوفCovid-19، رغم أن قرار حكومة هونغ كونغ كان مطابقاً للقرار الذي اتخذته حكومة المملكة المتحدة على سبيل المثال، حيث تم تأجيل الانتخابات المحلية والبلدية في بريطانيا، والتي كانت مقررة في 5 أيار لمدة عام، من أجل حماية مواطنيها، وبالتالي ، فإن إدانة ” العيون الخمس ” لم تكن نفاقاً فحسب، بل كانت أيضًا تأكيد على خضوع التحالف لوصاية بومبيو.
في 19 تشرين الثاني الماضي، طالبت ” العيون الخمس ” بإعادة أربعة نواب تم طردهم من برلمان هونغ كونغ، ويرجع ذلك لكونهم مرشحين محتملين للانتخابات المؤجلة، لكنهم لم يستوفوا معايير الأهلية فيما يتعلق بإعلانهم التمسك بالقانون الأساسي والولاء للمدينة، إضافة لدعواتهم للحكومات الأجنبية من أجل التدخل في شؤون الصين، والإضرار باقتصاد هونغ كونغ ومعاقبة مسؤوليها، وهو أمر لا تتسامح معه أي دولة أخرى، في الواقع ، يمكن مقاضاة هذا النوع من السلوك في هونغ كونغ، كما هو الحال في أي مكان آخر في عالم القانون العام، مثل سوء السلوك في المناصب العامة.
مع هزيمة ترامب، أصبحت أيام بومبيو معدودة الآن، وهناك بالفعل دلائل على حدوث إعادة تقييم لاتفاقية ” العيون الخمس ” نفسها، حيث أثار الكثير مما كان يفعله التحالف خلال عهد بومبيو قلقًا عميقًا، إن لم يكن اشمئزازًا، وبدأت أصوات العقل مرة أخرى في إسماع صوتها، ففي أستراليا، على سبيل المثال، أجرى وزير الخارجية السابق، بوب كار، عند مقابلته في 24 تشرين الثاني ، مراجعة لنهج بلاده العدائي تجاه الصين معتبرا أنه “افتقار للدبلوماسية”، وأوضح أنه في عام 2017 ، عندما قدم رئيس الوزراء السابق مالكولم تورنبول دعمه للولايات المتحدة وحشودها العسكرية في المنطقة، واعتبر أن بلاده “أقرب حليف أمريكي لواشنطن”، فإن استراليا انحازت عمداً ضد الصين.
في الواقع ، بينما يستعد بومبيو، سيد الدمى، للخروج من منصبه، هناك بالفعل مؤشرات على أن بعض أقرب الحلفاء في “العيون الخمس” يراجعون أنفسهم، في 23 تشرين الثاني فاجأ وزير خارجية استراليا المراقبين عندما أعلن أن بلاده تريد علاقات “متبادلة المنفعة” مع كل من الصين والولايات المتحدة، بل ونفى أن تكون بلاده تابعاً أمريكياً، وعندما أدرك أن بومبيو يقترب من نهايته، أخبر الإدارة الأمريكية القادمة لجو بايدن أنه لا ينبغي أن يُطلب من أستراليا التحيز بين واشنطن وبكين، وهو أمر لم يكن يجرؤ على قوله في ذروة القوة لبومبيو.
مع رحيل بومبيو، نأمل أن تنهي ” العيون الخمس” سياسة استهداف هونغ كونغ ومواجهة بكين، إن تكتيكات مثل هذه تنبعث من حقبة ماضية عندما كانت الصين ضعيفة، فهذه السياسة ستأتي بنتائج عكسية حتماً، إن الدبلوماسية واللياقة دائماً أفضل من الابتزاز والنفاق، ويجب أن تبدأ “العيون الخمس” التصرف بمسؤولية .
China Daily