لا أدري ما شعور المتنبي .. أو بالأحرى .. ما شعره .. إن رأى الحياة تكسر بيته الشعري الرائع:
أعز مكانٍ في الدنى سرج سابح
وخير جليس في الزمان كتاب..
يا شاعر العرب وحكيمهم .. لو جئتنا اليوم لرأيت العجب العجاب .. فلا سابح ولا مجالِسُ .. بل هي سابحة سيارة.. وإن أردتها فطائرة .. وجهاز صغير يصلك بواسطة خيوط العنكبوت إلى أقاصي الأرض .. ويريك بعيد القادم ومسافاته ومساحاته .. ويشرح لك كل ما قيل عن كل ما جرى .. ويجمع لك كتب العالم ودواوينه وصفائحه وكتبه .. فاختر ما تشاء..
أيها العظيم .. إن جئتنا اليوم وهبوا لاستقبالك .. وقد يفعلون .. فما زلت عظيمهم الذي تروي سيرته الألسنة .. وتحفظ شعره وحكمته العقول والافئدة .. فاحذر ما يقصونه عليك إن سألتهم الطريق إلى مكتبات دمشق وحلب وبغداد والقاهرة .. فوجدتها فارغة إلا من متقاعدين أحالهم إليها الزمن .. أو دارسين .. لا يثقون بالمكنونات المنثورة على خيوط العنكبوت .. فباتوا يعاقرون الوهم على صفحات الكتب – رحم الله ذكرها – ويعيشون في ظلال الذكريات.
سيقولون لك مثلاً: إن المكتبات العربية كانت جديرة برواد لا تتسع لهم قاعات المطالعة فيها .. وطلبات لا تستطيع أن تلبيها مخازن الكتب وأراشيف المقالات والمدونات والمحفوظات .. لولا خيوط العنكبوت وصدق الذي قال:(إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت).
لكن يا محترم يا عظيم .. أتراهم يقرؤون الكتب على الخيط العنكبوتي .. ؟
الذين يستهلكون الكتاب اليوم هم أنفسهم الذين أوجدوا العنكبوتية وتفننوا فيها وصادروا مخازن الثقافة في العالم وينابيعها وقيدوها بحبال .. هي ليست أبداً بوهن خيوط العنكبوت .. والذين يجولون في الجوانب والزوايا والألاعيب والحزازير والمغامرات وصور الفاتنات ومثير المغامرات .. هم لا يقرؤون كتاباً واحداً .. بل: الذين يقرؤون الورق هم الذين يطالعون ما تحمله خيوط العنكبوت التي تبدو كمعجزة حقيقية..
أعذرني يا عظيم .. وأنت بجد عظيم:
بين العرب لم يبقَ من الكتاب إلا مخزقات من ذكريات .. وقليل البشر . أما السرج السابح .. فاسأل أراضي العرب وساكنيها عن الدبابات والطائرات والصواريخ .. لم تترك للغرب فضاء تسبح فيه راياتك ..
معاً على الطريق- أسعد عبود