الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
تتوالى فصول المهزلة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية الأميركية تباعاً، فبعد صدور النتائج الرسمية التي أعلنت فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بأغلبية مريحة، واصل الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب المتشبث بالسلطة إلى آخر رمق تشكيكه بالعملية الانتخابية موجها الاتهامات بحدوث تزوير رافضاً الاعتراف بالنتيجة التي كرست هزيمته، وبعد رفض معظم الطعون القانونية التي قدمها بأكثر من ولاية خسر فيها، استمر ترامب في تعقيد مهمة خلفه بايدن عبر قرارات عدائية على أكثر من صعيد إن كان بخصوص الملف النووي الإيراني أو في ملف الأزمة والحرب على سورية، أو في ملفات وقضايا أخرى، في محاولة منه لتكبيل الإدارة القادمة بآثار وتداعيات قراراته المجنونة والحيلولة دون خروج العالم من تحت وطأة السنوات الأربع القاسية التي حكم خلالها.
معركة التشبث بالسلطة ورفض الاعتراف بالهزيمة وصلت إلى مستوى العربدة والتهديد بإثارة العنف، وآخر فصول هذه المعركة قيام ترامب بالضغط على أكبر مسؤول عن العملية الانتخابية بولاية جورجيا “لإيجاد” أصوات كافية لتحويل هزيمته في الولاية إلى فوز، وذلك طبقاً لمكالمة هاتفية مسجلة قبل يومين حصلت عليها صحيفة الواشنطن بوست، وتعد هذه المكالمة أحدث محاولة من جانب ترامب لتعزيز مزاعمه حول حصول عملية تزوير في الانتخابات أدت إلى خسارته.
وقالت واشنطن بوست التي نشرت أمس مقتطفات من المكالمة بين ترامب وسكرتير ولاية جورجيا الجمهوري براد رافينسبرجر واستمرت ساعة، إن ترامب راوح في حديثه مع رافينسبرجر ما بين الإطراء والاستجداء والتهديد بعواقب جنائية غامضة في محاولة لتغيير خسارته في جورجيا أمام جو بايدن.
وتابعت الصحيفة أن رافينسبرجر ومستشار مكتبه رفضا طوال المكالمة تأكيدات ترامب وأبلغا الرئيس بأنه يستند إلى نظريات المؤامرة بشأن الانتخابات التي جرت “بنزاهة ودقة”.
وطبقا لمقتطفات من المكالمة التي نشرتها واشنطن بوست على موقعها الالكتروني، قال ترامب “مواطنو جورجيا غاضبون .. الناس في البلاد غاضبون… ولا يوجد ما يمنع من القول، مثلما تعلم، إنك أعدت إحصاء (الأصوات)”.
وتابع ترامب في المكالمة المسجلة “انظر.. هذا كل ما أريد منك فعله. كل ما أريده هو إيجاد 11780 صوتا.. لأننا فزنا بالولاية”.
وأصر ترامب على أنه “لا يمكن بأي حال” أن يكون قد خسرها.
وأحجم البيت الأبيض عن التعليق، ولم يرد مكتب رافينسبرجر بعد على طلبات للتعليق، ولم يكن لدى مكتب بايدن، المكلف بعملية نقل السلطة، تعليق فوري على التقرير.
وتعد جورجيا واحدة من عدة ولايات حاسمة خسرها ترامب لصالح بايدن في انتخابات الرئاسة التي جرت في الثالث من تشرين الثاني الماضي.
وسواء كانت مزاعم ترامب حقيقية أو كاذبة – والكذب هو المرجح – فإن ما يحدث في أميركا يكشف هشاشة النظام السياسي هناك وعدم رسوخ ما يسمى النظام الديمقراطي الذي يتغنى به الأميركيون ويحاولون فرضه بقوة السلاح على العالم، إضافة إلى طموح الجمهوريين ويمثلهم ترامب اليوم لتأكيد هيمنتهم على الحياة السياسية في أميركا، وبالتالي نزوعهم لتفصيل العالم حسب مقياس أطماعهم ونزعاتهم العدوانية، إذ شهد العالم خلال أربع سنوات من حكم ترامب من الأحداث والتطورات الخطيرة ما لم يكن يتوقعه أحد، إذ اقترب كوكب الأرض مرات عدة من شفير حروب إقليمية ودولية مدمرة وتهديدات باستخدام الأسلحة النووية المحرمة دولياً بسبب النزعة العدوانية التي تتميز بها الطبقة السياسية الحاكمة في أميركا.
ولو حاولنا تفصيل المشكلات التي أثارها ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض لاحتجنا إلى كتب عديدة، ولكن يمكن إيجازها بالعديد من النقاط وأهمها:
– التنصل من الاتفاقات والالتزامات الدولية كاتفاقية باريس المناخية والاتفاق النووي الإيراني ما رتب مشكلات كبيرة عجزت كل محاولات الدول الأخرى عن حلها.
– الانسحاب من التحالفات الاقتصادية مع دول قصيدة والتهديد بالانسحاب من حلف الناتو ورفع شعار أميركا أولا كناية عن وضع مصالح الهيمنة والسيطرة الأميركية على العالم فوق كل اعتبار.
– فرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية القاسية على دول حليفة وأخرى منافسة في سبيل الحصول على مكاسب سياسية وفرض سياسة الأمر الواقع بعيدا عن القوانين والأعراف الدولية.
– تأجيج النزاعات الدولية وإثارة المشكلات المختلفة حيث ساهمت سياسة ترامب بتوتير الأجواء وكادت أن تشعل حرباً في الخليج مع إيران، وحربا بين أثيوبيا ومصر بسبب الخلاف حول سد النهضة، وأخرى في بحر الصين الجنوبي بسبب المنافسة مع الصين، بالإضافة إلى الدعم المستمر للحرب السعودية العدوانية على اليمن والمساهمة بتجويع اليمنيين.
– الدعم المطلق لعدوانية الكيان الصهيوني عبر الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة موحدة له ونقل السفارة الأميركية إليها ودعم سياسة الاستيطان على حساب الفلسطينيين ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية عبر صفقة مشبوهة أطلق عليها صفقة القرن، وإجبار العديد من الدول العربية على التوقيع على “سلام” مزيف مع الكيان الصهيوني الذي يحتل الأراضي وينتهك الحقوق.
– ممارسة الخداع والكذب والتضليل بما يخص الوجود الأميركي غير الشرعي في سورية ودعم الإرهابيين والمرتزقة ومحاولة تأخير تعافي الدولة السورية بقوانين أميركية ظالمة، والتنصل من وعود الانسحاب من الشمال السوري.
– التدخل السلبي في قضية الجولان السوري المحتل ومحاولة تكريس واقع الاحتلال عليه عبر الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية، إضافة إلى زيارة إلى الزيارة الاستفزازية التي قام بها سيئ الذكر وزير الخارجية مايك بومبيو لدعم الاستيطان الإسرائيلي في الجولان السوري.
– القيام بعمليات اغتيال خطيرة كادت أن تسبب بحروب في المنطقة كاغتيال القائدين الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في مطار بغداد قبل عام والمساهمة مع الكيان الصهيوني باغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة.
– المساهمة بنشر فايروس كورونا عبر العالم والمتاجرة بحياة الضحايا وتأخير عملية الوصول إلى لقاح يجنب البشرية مخاطر هذا الفيروس القاتل، ومحاولة تسييس القضية ورمي الاتهامات على الصين في المسؤولية عن انتشار الفايروس.
إن محاولة ترامب الاحتفاظ بمقاليد الحكم في أميركا يعني المزيد من التدهور السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي على مستوى العالم، وهذا لا يعني أن إدارة بايدن القادمة ستكون حمامة سلام وتعايش وازدهار وتنمية، فأميركا هي أميركا مهما كان اسم الرئيس، ولكن الجنون الأميركي الذي تزامن مع فترة صعود ترامب يضع مستقبل العالم على المحك، وما لم يتحرك العالم موحدا لمواجهة الشر الذي يمثله ترامب أو أميركا فلا أحد يمكنه التنبؤ بالكوارث القادمة.