إعلامها يستحضر “هنري” ومصطلح “جمهورية الموز” الساخر.. ويوثّق “الفوضى الخلاقة” في واشنطن لا العالم الثالث

الثورة أون لاين – أحمد حمادة :
مَن مِن العالم كله لا يذكر كيف كان الإعلام الأميركي يتبختر ويتفاخر، وهو ينقل على فضائياته وصدر صفحات صحفه الأولى، وعلى مدى سنوات وعقود، صور المظاهرات والفوضى وأعمال النهب والقتل في عواصم الدول الإفريقية والآسيوية، ويتهم العالم الثالث بالتخلف والديكتاتورية التي تنتج مثل هذه الصور والمشاهد، وتحرك مشاعر طلاب الحرية.
مَن منّا لا يذكر هذا الإعلام الكاذب وهو يركّز في لقطاته وفيديوهاته على المتظاهرين التواقين إلى “الديمقراطية”، ويركّز على أن الولايات المتحدة، فخر العالم المتحضر، لا تعرف مشاهد العنف وإطلاق النار والهجوم على المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، ولا يوجد فيها من يحطم نوافذ المؤسسات الحكومية وينهب محتوياتها، وليس هناك من يعتلي أسوارها ويحرق جدرانها وأثاثها.
اليوم، وبعد الصور التي تناقلتها الفضائيات من داخل الكونغرس، ومن فوق أسواره، تبدو الصورة مقلوبة، فهنا في واشنطن، وفي قلب مؤسساتها الكبرى، أي الكونغرس، تتتالى الصور وتنقل الفضائيات – الأميركية تحديداً – مشاهد اقتحام أنصار الرئيس ترامب الكونغرس، وتوثق صور القتلى والمعتقلين، وصور الفوضى الهدامة التي نشرتها أميركا في منطقتنا العربية عبر عشر سنوات مضت تحت مسميات “الفوضى الخلاقة” والأهم صور أعضاء الكونغرس من مجلسي (النواب والشيوخ) وهم يفرون من المبنى للنجاة بحياتهم.
مَن منّا لا يذكر الإعلام الأميركي وهو يتهم العالم، وتحديداً منطقتنا وشعوبنا، بالكراهية والعنصرية والإرهاب والتوحش، وإذ بالفاشيين الأميركيين الجدد وهم ينفلتون من عقالهم في قلب واشنطن، وينقل هذا الإعلام صورهم، وتحديداً صور جماعة “براود بويز” التي نشأت عام 2016، ويؤكد هو قبل غيره أنهم من اقتحموا الكونغرس، ويوثق لكل العالم، بمن فيه أميركا، بأن هذه الجماعة والمنتسبين إليها يمجّدون العرق الأبيض، ويتخذون من الفاشية الجديدة سياسة لهم، وألد أعدائهم هم المهاجرون واليساريون، ويتخذون من العنف السياسي ولغة الكراهية نهجاً لهم في مواجهة خصومهم، ولطالما سجلت الشوارع الأميركية حوادث كثيرة قاموا بها وحظرت وسائل التواصل حسابات حركتهم مراراً.
اليوم يوثق الإعلام الأميركي المضلل مشاهد العنصرية التي تختزنها أميركا، ويوثق اقتحام أفراد “براود بويز” للكونغرس، وتؤكد فضائياته أنهم أنفسهم من يؤيدون ترامب بشكل جنوني ويرون بأنه المدافع عن معتقداتهم وأفكارهم، بل وينقل للعالم شعاراتهم التي تقول بالفم الملآن: “لنعيد أميركا العظمى، أغلقوا الحدود.. أعطوا الجميع السلاح ومجدوا المال”.
اليوم ينقل الإعلام الأميركي مشاهد العنف والإثارة والفوضى من قلب مدن بلاده، ولطالما كان يعتبرها ميزة خاصة بالدول المتخلفة، يوثق للعالم مشاهد إطلاق النار والغاز المسيل للدموع، وتحطيم النوافذ والحواجز والأسوار والصدامات والمعارك بين الشرطة والمحتجين من قلب عاصمة “الديمقراطية” المزيفة، وينقل مشاهد المتظاهرين أو الفاشيين أو الفوضويين، سمّهم ما شئت، المهم الصورة من قلب واشنطن، وينقل معها الإصابات والدماء من داخل مبنى الكابيتول هيل (قلعة الديمقراطية) المزعومة.
لم يتخيّل أحدٌ منًا يوماً أن يتخيّل أيضاً الكاتب الأميركي “أوليفر هنري” يوماً أن مصطلحه السياسي الساخر (جمهورية الموز) الذي أطلقه عام 1904 في كتابه (الكرنب والملوك) سيستعين به الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش لوصف مشهد اقتحام مبنى الكابيتول وسط واشنطن من قبل أنصار الرئيس المنتهية ولايته عندما قال إنها تليق (بجمهوريات الموز)، فالإعلام الأميركي اليوم يذكّر العالم ب”هنري” وبجمهوريات الموز ساخراً مما يحدث في أميركا، وكأنه يعترف ويقر، دون إدراك منه، بكل تضليله وأكاذيبه التي مررّها للعالم المسكين عبر الزمن الفائت.