الثورة أون لاين – بقلم مدير التحرير أحمد حمادة:
بعد أن صدّق الكونغرس رسمياً على انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، من المفترض أن يغادر دونالد ترامب البيت الأبيض بعد اثني عشر يوماً، ومن المفترض على النخب الأميركية العاقلة، ولا أقول بايدن الذي ربما سيتفوق على سلفه بالبلطجة، يفترض على هؤلاء – إن بقي في المؤسسات الأميركية من ينصت لصوت العقل والحكمة – أن يجروا تقييماً للمصائب التي خلّفها هذا الرئيس على المستويين الأميركي والعالمي، ويحاولوا أن يقرؤوا نتائجها الكارثية بعين الحكمة، ومن خارج الصندوق الأميركي (المستبد والمتغطرس) المتعارف عليه حالياً، علهم ينقذون أميركا والعالم من الغرق بالطوفان الذي تسببه سياسات واشنطن الهدامة في شتى أنحاء المعمورة.
فإن كان ثمة من ينصت لصوت الحكمة من العقلاء والنخب، ويريد رخاء أميركا فعلاً، فليسأل نفسه: من له مصلحة من الأميركيين بالمتاجرة بوباء كورونا والتسبب بوفاة مئات الألوف منهم بفعل أوامر ترامب واستهتاره بمواطنيه؟، ومن له مصلحة بسيادة قوانين التوحش وشطب آدمية الإنسان و”حيونته”؟، ومن له مصلحة بتحويل البشر إلى مجرد أدوات مستهلكة في عالم تسيطر عليه حفنة من المجرمين واللصوص وأصحاب الشركات الاحتكارية الجشعة؟!.
إن كان ثمة من ينصت لصوت الحكمة فلا يجب أن تغيب عن ناظريه الآثار السلبية التي خلّفها تنصل ترامب من الاتفاقات والالتزامات الدولية، كاتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني، وقطع التمويل عن منظمة الصحة العالمية، والتوتر الكبير الذي خيم على سماء “الشرق الأوسط” وأنذر بحروب طاحنة قد تودي بحياة ملايين الأبرياء نتيجة الانسحاب غير المبرر من هذا الاتفاق.
إن كان ثمة من ينصت لصوت الحكمة من المتبصرين في أميركا فعليهم أن يدرسوا شعار ترامب “أميركا أولاً” الذي رفعه كناية عن وضع مصالح الهيمنة والسيطرة الأميركية على العالم فوق كل اعتبار، بل حتى إن استدعى الأمر طحن مصالح الحلفاء في أوروبا والأدوات في منطقتنا العربية وبقية العالم، وعليهم أن يدركوا كم سيؤدي هذا الشعار في حال ديمومته مع إدارة بايدن إلى عزلة بلادهم حتى عن حلفائهم الغربيين.
إن كان ثمة من ينصت لصوت الحكمة في واشنطن فليسأل نفسه: من له مصلحة من الأميركيين باستمرار سياسات تجويع الشعوب وفرض أقسى العقوبات الجائرة بحقهم، كإرهاب “قيصر” وتجويعه للسوريين، ومن له مصلحة في فرض العقوبات الجائرة حتى على دول حليفة لبلاده، ومن له مصلحة بالاستمرار بسياسات البلطجة وتأجيج النزاعات الدولية وخلق التوتر والصدام الدائم مع روسيا والصين وكوريا وفنزويلا وكوبا وسواها؟!.
إن كان ثمة من ينصت لصوت الحكمة فليسأل نفسه: من له مصلحة من الأميركيين بطمس حقوق الشعب الفلسطيني وتمرير صفقة القرن المشبوهة؟، وهل الأمر سيحقق السلام الحقيقي المفترض؟، وهل الاعتراف بأرض محتلة كالجولان و”وهبها” للسيادة الإسرائيلية المزعومة ينسجم حتى مع القانون والدستور الأميركييّن؟، وهل احتلال أراضي الآخرين كما تفعل القوات الغازية في الجزيرة السورية ودعم التنظيمات المتطرفة يحمل أي مصلحة للأميركيين أم إن ذلك سيرتد سلباً على بلدهم من خلال ارتداد الإرهاب عليهم، وما حدث في أكثر من عاصمة غربية خير مثال وشاهد؟!.
إن كان ثمة من ينصت لصوت الحكمة فليسأل نفسه: هل خُطط اغتيال قادة العالم تأتي بأي منفعة للشعب الأميركي أم إنها تخدم فقط أصحاب الرؤوس الصهيونية الحامية ممن يجرّون الويلات للأميركيين قبل غيرهم من الشعوب؟ وهل مواقف ترامب التي يندى لها جبين الإنسانية تخدم مستقبل أطفالهم؟، وهل منهجه بإشعال الحروب الأهلية ونشر التمييز العنصري داخل الولايات المتحدة وعلى امتداد خارطة العالم يؤسس لغد أفضل لهم؟، وهل من مصلحتهم أن تتصرف مؤسسات دولتهم كقطاع الطرق والعصابات والتنظيمات المتطرفة كالقاعدة وداعش والنصرة؟!.
إن كان ثمة من ينصت لصوت الحكمة من العقلاء والنخب الأميركية فإن أمنية الكثير من الشعوب المنكوبة بسياسات إداراتهم العدوانية تتلخص بوجود أمثال هؤلاء الحكماء، وأن يكونوا قادرين على فعل شيء، أي شيء، يفرمل ويكبح غرائز وشهوات وأطماع وأجندات “الليبراليين الجدد”، أو الصهاينة الجدد، أو المحافظين الجدد، سمهم ما شئت، من أصحاب الرؤوس الحامية، ومن قتلة الإنسانية، ومدمري حضارتها، ممن يريدون السيطرة على العالم وثرواته وقتل المساكين وإبقاء من يخدمهم فقط، ممن يسيرون بالعالم كله إلى الهاوية والجحيم!.