مجلس الأمن الدولي سبق وأن أصدر العديد من القرارات بشأن مكافحة الإرهاب، وتجفيف منابعه، ومساءلة الدول الممولة له، باعتباره يشكل خطراً داهماً على الأمن والسلم الدوليين، ولكن ماذا فعل هذا المجلس للقضاء على هذه الآفة، وما الإجراءات الرادعة التي اتخذها بحق الدول الداعمة له، وما المهام التي نفذها لحماية الشعوب الرازحة تحت وطأة خطر هذا الإرهاب؟، والأهم ما الدور الذي لعبه لإنهاء احتلال أراضي الغير بالقوة، على اعتبار أن الاحتلال يمثل أعلى درجات الإرهاب؟.
إذا أخذنا سورية كنموذج صارخ لبلد يتعرض لإرهاب عابر للقارات، مدعوم من قبل عشرات الدول، نصل لحقيقة أن مجلس الأمن غائب تماماً عن كل ما يعانيه الشعب السوري من ويلات ومآس بفعل هذا الإرهاب، بحكم أن هذا المجلس لا يزال رهينة بيد الدول الغربية، وبينها دول دائمة العضوية “أميركا وفرنسا وبريطانيا”، وهذه الدول الثلاث من أبرز الداعمين والممولين للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها “النصرة وداعش”، والمستفيد الأكبر من جرائمها، وسبق أن شنت عدواناً ثلاثياً غادراً على سورية لحماية تلك التنظيمات، وقدمت العديد من مشاريع القرارات لعرقلة عمليات الجيش العربي السوري ضد الإرهاب، وهذا يعطي نتيجة مفادها أن مجلس الأمن تخلى عن المسؤوليات المناطة به للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وتحول إلى معول هدم بيد دول استعمارية تهدد حياة الشعوب وأمنها.
الصمت المطبق الذي يبديه مجلس الأمن حيال الجرائم الإرهابية المرتكبة بحق السوريين والتغاضي عنها، يثير العديد من علامات الاستفهام حول الدوافع الحقيقية لهذا الصمت، فلماذا يغض الطرف عن مسألة احتلال نظامي الإرهاب الأميركي والتركي لأجزاء من الأرض السورية، وتهجيرهما لآلاف الأسر من منازلهم وأراضيهم، وسرقتهما للثروات النفطية والزراعية، ويصمت على جرائم مرتزقتهما وأذرعهما الإرهابية، ولماذا يتجاهل الرفض الدائم للدول الأوروبية تجاه استعادة إرهابييها وعائلاتهم الذين صدرتهم إلى سورية، ولماذا يتقاعس عن محاسبة الدول التي تدعم التنظيمات التكفيرية الإرهابية على مختلف تسمياتها، علماً أن هذه الدول معروفة بالاسم، وهي نفسها تجاهر علناً بدعمها للإرهاب؟، وماذا فعل أيضاً للجم الاعتداءات الصهيونية المتكررة، وهنا لا يخطر ببالنا سوى جواب واحد، أن هذا المجلس خرج عن نطاق ولايته المحددة بالميثاق الدولي وبات مجرد أداة تعمل لخدمة أجندات الغرب الاستعمارية.
عجز مجلس الأمن عن تنفيذ قراراته بشأن مكافحة الإرهاب، يطرح الكثير من الشكوك بمصداقية هذه المؤسسة الدولية وبنصوص ميثاقها الأممي، وبمدى جدواها أيضاً، وبنفس الوقت يحمل دول العالم مسؤولية التصدي الحازم لممارسات الدول الغربية المهيمنة على قرارات المجلس، فهذه الهيمنة تمنع على سبيل المثال لا الحصر، مساءلة الولايات المتحدة عن سياساتها الإرهابية تجاه الكثير من الشعوب، وعن جرائم الاغتيال بحق قادة إيرانيين وعراقيين حاربوا “داعش والنصرة”، وتمنع أيضاً مساءلة الكيان الصهيوني عن احتلاله لفلسطين والجولان السوري، وما يقترفه من جرائم إرهابية يندى لها جبين الإنسانية، وتجنب كذلك الدول الأوروبية عن مساءلتها لدعمها الإرهاب ونشر أفكاره المتطرفة، وشراكتها القذرة مع أميركا بفرض عقوبات جائرة تصل لأعلى مستوى من الإرهاب الاقتصادي، فمتى سيخرج مجلس الأمن عن إطار وضع القرارات النظرية لمحاربة الإرهاب، ويضعها موضع التطبيق الحازم والصارم بعيداً عن التسييس وازدواجية المعايير؟.
البقعة الساخنة – ناصر منذر