الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:
تتصرف الولايات المتحدة الأمريكية كما لو أنها الحاكم الفعلي للعالم ، فتصنف دوله وشعوبه كما يحلو لها ، إلى محاور خير ومحاور شر واعتدال ، كما لدى وزارة خارجيتها قائمة سوداء لتصنيف الدول والحكومات والقوى المناهضة لسياساتها الاستعمارية ، فكل من يناضل أو يحارب أو يسعى لتحرير أرضه المحتلة ورفع الظلم عن شعبه سرعان ما يجد نفسه مصنفاً في قائمة الإرهاب الأميركية استعداداً لاستهدافه والضغط عليه ومحاولة إخضاعه .
ولعل الجميع يتذكر كيف صنفت أمريكا العالم غداة اعتداءات 11 أيلول عام 2001 التي استهدفت نيويورك وواشنطن إلى فريقين ، عندما أعلن رئيسها الجمهوري آنذاك جورج بوش الابن بكل صلف وعنجهية وبلطجة (من ليس معنا فهو ضدنا) .
وقد اعتمدت الإدارات الأمريكية قديماً تصنيفات عديدة بخصوص دول العالم تبعاً لمواقفها تجاه القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية ، ولم تأت معاييرها في التصنيف من منطلق مصالحها بل من منطلق المصلحة الصهيونية بالدرجة الأولى ، حيث أصبح كل من يقاوم الاحتلال الصهيوني بنظر الولايات المتحدة إرهابياً ، في تناقض صريح وسافر مع مبادئ وميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان ، وباتت الدول والقوى المناهضة لسياساتها العدوانية ومشروعها المعادي للمنطقة توصف وتصنف بالإرهابية ، أما الدول الأخرى التي تخلت عن حقوق الشعب الفلسطيني وطبعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني ، فقد صنفت كمعتدلة .
لذلك ليس غريباً أو مستغرباً أن يأتي إعلان إدارة ترامب على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو وضع حركة أنصار الله التي تدافع عن الشعب اليمني واستقلال بلدها ووحدته على لائحة الإرهاب الأميركية ، أو أن يفبرك بومبيو ملفاً مزيفاً حول علاقة الجمهورية الإسلامية في إيران بتنظيم القاعدة الإرهابي المعروف منذ نشأته في أفغانستان بأنه أحد أدوات وأذرع الولايات المتحدة لإثارة العنف والفوضى والإرهاب في كل المنطقة خدمة لأجنداتها الاستعمارية .
إن ما تقوم به الولايات المتحدة هو أمر بالغ الخطورة ، ولا تقتصر خطورته على مجرد الاتهام الظالم والمفبرك ، بل قد تتطور لممارسات عدوانية بحجة محاربة الإرهاب ، كفرض عقوبات اقتصادية وسياسية ، وقد تتحول لاحقاً إلى استخدام القوة العسكرية من قبلها أو من قبل حليفها الكيان الصهيوني ودون إذن شرعي من الأمم المتحدة ، كما فعلت مع تنظيم القاعدة في أفغانستان ، ذلك التنظيم الإرهابي الذي نشأ وترعرع في أحضان المخابرات الأمريكية ضمن المشروع الأمريكي لغزو واحتلال العالم الإسلامي ، وعندما انتهت وظيفة التنظيم رأينا كيف صنفته واشنطن ، وصنفت متزعميه وعناصره كإرهابيين ، ولاحقتهم في كل مكان تحت عنوان “الحرب العالمية على الإرهاب” لتمارس هي أبشع أنواع الإرهاب والانتهاكات بحق الدول والشعوب كما حدث في أفغانستان والعراق والصومال واليمن .. الخ .
والجميع يدرك بأن الولايات المتحدة هي من ساهمت بإنشاء تنظيم داعش الإرهابي في العراق ثم نقلته إلى سورية كأداة من أدواتها لتقسيم المنطقة وشرعنة تدخلها واحتلالها ونهبها لثروات سورية والمنطقة ، ثم شنت عدوانها على سورية تحت عنوان محاربة التنظيم فتفوقت عليه في ممارسة القتل والتخريب والإرهاب .
إن النهج الأمريكي بإنشاء تنظيمات إرهابية واستخدام تصنيفات عنصرية للدول والقوى في المنطقة والعالم والتهديد بفرض العقوبات على الدول التي تدافع عن سيادتها وكرامتها الوطنية ، هو نهج فاشي استعماري مصيره الفشل أمام إرادة الشعوب الحرة والمستقلة ، ولن تقطف الولايات المتحدة منه إلا الخزي والعار والهزيمة ، لأن إرادة الشعوب المقاومة أقوى من إرادة المحتلين ، وستنتصر في النهاية