الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي
قال الكاتب أليستر كوك ذات مرة : “يتحسب البريطانيون دوماً من السفاهة الأميركية ، ولكن ما إن تمضي سنتان حتى يتقبلون تلك السفاهة بكل حماسة” ، ونجده يتبع في عباراته أسلوباً لبقاً للقول إن بريطانيا تتخلف عن أميركا ببضع سنوات ثم تقتدي بها وتسير على نهجها .
على سبيل المثال ، كان اشتراك بريطانيا في الحرب على العراق انصياعاً للقيادة الأميركية ، وفقاً لما ذكره الرئيس جورج دبليو بوش في مذكرة داخلية قدمها قبل أشهر من خوض العملية العسكرية ، إذ يحرص الطرفان على إظهار وجود علاقة مميزة تجمع بينهما ، وفي الحين الذي يرغب به الساسة البريطانيون الحفاظ على تفوق بلدهم على أميركا لتبقى القوة العظمى الأساسية ، نجدهم يظهرون إعجاباً وطاعة للدولة الصديقة .
وأكدت مارغريت تاتشر على تلك الملاحظتين متملقة للرئيس الأميركي رونالد ريغان بقولها “تعتنق الدولتان معتقدات متماثلة تقريباً رغم اختلاف خلفية كل منهما” ، وأعربت في أول زيارة لها إلى البيت الأبيض عن “الترابط الوثيق” بين الدولتين ، وخاصة أن جورج واشنطن ذاته “كان من الرعايا البريطانيين حتى بعد عامه الأربعين” .
لكن يبدو أن دونالد ترامب قد أخلّ في هذا التوازن القائم على التملق والتعجرف ، إذ تشدق علناً بالتأثير الذي كان يمارسه في الخفاء على بريطانيا ، ووجه إهانة لكل من تيريزا ماي وعمدة لندن صادق خان ، وانتقد دوق ودوقة ساسكس ، وتبجح بقوة الولايات المتحدة دون التزام بخطاب لبق أو اتباع قواعد البروتوكول ، ولم تعد الدولة التي ترّأسها مجرد دولة منغمسة في غيها ، بل أصبحت مكاناً موغلاً بالشرور ، حيث خرج متعصبون للعرق الأبيض ، حظوا بدعم البيت الأبيض ، ليتظاهروا في الشوارع .
وتغيرت نظرة البريطانيين إلى الولايات المتحدة ، التي تراجعت سمعتها إبان عهد ترامب ، من مكان يرنو إليه الشعب البريطاني إلى مكان يمقته ، نتيجة ما حل به من شرور تغلغلت في أعماقه ، لذلك أخذوا بمراقبتها عن بعد متأسفين على ما حل بها من تدهور .
وسواء أكانت أميركا تخوض حروباً ثقافية ، أم تواجه أزمة عرقية ، أم تخضع لسياسات اليمين المتطرف والتفوق العرقي ، فإن ما تواجهه يختلف تمام الاختلاف عما تعانيه بريطانيا ، فأميركا دولة لم نعد نشترك معها بالمعتقدات أو التاريخ ، وبدأ التباعد بيننا فعلياً في الصيف الذي قامت به حركة “حياة السود مهمة” ، لكن اقتحام الكابيتول شكل الخط الفاصل الأخير ، إذ أصيب بوريس جونسون بالذهول من “المشاهد المخزية” وأدان “بلا تحفظ” تحريض ترامب للشعب ، رغم أنه لم يعلق على دفع أنصاره للتمرد خلال الأسابيع السابقة .
في البداية اكتفى رئيس الوزراء بمتابعة مجريات الأحداث ثم عبر عن إدانته إثر المشاهد الصادمة في واشنطن ، غير أن ما هو أكثر أهمية يتمثل في انتهاء ولاية ترامب الذي كان بإمكانه التعبير عن استيائه دون المخاطرة بما يثير ردود أفعال أو أزمة دبلوماسية لدى جهات أخرى ، وأراهن أنه لو جرت أحداث الكابيتول في منتصف ولاية ترامب لما شهدنا تنديداً من أي جهة كانت ، ومرة أخرى ، ساهمت الظروف في نأي المملكة بنفسها ، مدعية أنها لم تتواطأ في صعود ترامب ، وأنها لم تعمد إلى تقديم المساعدة للرئيس وداعميه المتطرفين وتحريضهم رغم رفضها إدانة حظر سفر المسلمين إلى أميركا .
لقد كان التمرد قضية من جملة القضايا التي لا تشمل ترامب والحزب الجمهوري فحسب ، بل تطول سياسات المحافظين أيضاً ، بالإضافة إلى أنها تنطوي على شخصيات في الكونغرس وثلة من المثقفين المحافظين الذين يتبنون أفكاره من أمثال النخبة اليسارية التي تكن الكراهية لما يسمى “أميركا الحقيقية” ، وبدا من خلال حركة التمرد الترابط الوثيق بين ترامب وحركة التفوق الأبيض التي عمت الشوارع أكثر مما توقعه كثيرون .
وعلى الرغم من عدم اقتحام البرلمان في المملكة المتحدة ، فقد تعرض أعضاؤه لسوء المعاملة من مؤيدي بريكست ، واغتيل أحد النواب على يد قومي يميني متطرف ، وكان آخر على وشك التعرض للقتل أيضاً .
أما حرب بريطانيا الثقافية فهي قوية لدرجة بعيدة إذ لدينا كثير من الغوغائيين الذي ينتظرون إيماءة من الحكومة، وعلى استعداد للاشتباك مع عناصر الشرطة ، إلى جانب بعض الوسائل الإعلامية التي تضخ نظريات المؤامرة ، والآن تحفز الآخرين على نزع الكمامة وعدم الالتزام بالحجر ، وعندما يخرج اليمين المتطرف إلى الشوارع ويودي بالأرواح ويهاجم الديمقراطيات فلن يكون ذلك إلا بتواطؤ مع الحكومة وبرضاها .
المصدر
The Guardian