الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
على مدى قرابة الثلاث سنوات المنصرمة ، كان مصير الاتفاقية النووية الإيرانية المبرمة عام 2015 في مهب الريح ، إثر انسحاب إدارة ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2018 بذريعة تقول إن فرض سياسة اقتصادية صارمة تدعى “الضغوط القصوى” يقود إلى اتفاقية أفضل ، غير أن ما تحقق قد اقتصر على تفريغ الاتفاقية الأولى من محتواها ، الأمر الذي يستدعي من أوروبا أن تلعب دوراً بناء للحيلولة دون انهيار كامل للاتفاق النووي ، وانتهاز الفرصة عبر المساهمة في إحياء الصفقة وتعزيزها .
اتسمت خطة العمل الشاملة المشتركة بالوضوح والشفافية ، فقد كان الهدف منها الحد مما يثير قلق المجتمع الدولي مقابل تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على إيران منذ سنوات طويلة ، ولكن سياسة العقوبات الموسعة التي نهجها ترامب حرمت إيران من المنافع المالية ما أفضى إلى شروع طهران في التحلل من القيود النووية المنصوص عنها في الاتفاق ، وقد ردت على الأضرار التي لحقتها بسبب العقوبات الأميركية برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20% والبدء بأنشطة إنتاج معدن اليورانيوم في مطلع هذا الشهر .
وعشية تسلم إدارة بايدن زمام السلطة ، تتطلع المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا (الدول الأوروبية الثلاث) ، الأعضاء في خطة العمل الشاملة المشتركة ، إلى إحياء الاتفاق ليكون خطوة أولى نحو الاشتراك مع إيران بشأن معالجة قضايا أكبر ، الأمر الذي يتطلب تضافر جهود العديد من الأطراف .
أما في واشنطن فما زال الاتفاق النووي مثاراً للخلاف ، ورغم الإخفاق الذريع الذي منيت به حملة “الضغوط القصوى” في تحقيق الأهداف المعلنة ، يبدي بعض النقاد إصراراً بأن نيات بايدن بشأن إعادة الانخراط مع إيران “فكرة حمقاء” ، وقد لاقت تلك الفكرة صدى لدى حلفاء أميركا في منطقة الشرق الأوسط ، وتحديداً “إسرائيل” التي طالب رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو علناً بالتزام الإدارة المقبلة بذات نهج سلفها وحرمان إيران من الطاقة النووية .
الجدير بالذكر ، أن الحكومات الأوروبية قد أبدت رفضاً لما تقدم به فريق ترامب من ذرائع ، رددها لاعبون إقليميون ، لضرورة معالجة جوانب أخرى في السياسة الإيرانية ، ولاسيما برنامج الصواريخ البالستية ، إلى جانب ذلك ترى تلك الحكومات بأن ثمة فرصة لإجراء تحسين على الاتفاق .
ولا يخفى على أحد ما جرى خلال السنوات الثلاث الماضية ، إذ لم تفضِ العقوبات إلى حل تلك القضايا ، بل زادت الطين بلة ما أدى إلى تصاعد التوترات ، وفي الوقت عينه حالت تلك العقوبات دون تحقيق أي تقدم بما يتعلق بالحد من الدور الإيراني .
في حال تحرك بايدن نحو إحياء معاهدة العمل الشاملة المشتركة ، ينبغي على أوروبا إعلان دعمها للعودة للاتفاق النووي بكل قوة وبكل الوسائل المتاحة ، وألا تقتصر على نزع فتيل الأزمة النووية الآخذة بالتصاعد ، بل إعداد أرضية للنقاشات المتعلقة بالمخاوف الأخرى بناء على الحوار والمفاوضات بدلاً من العقوبات الصارمة .
ويبقى أن تدخل هذه الخطة حيز التنفيذ ، وأن تعمل الدول الأوروبية الثلاث والاتحاد الأوروبي معاً إلى جانب إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لإعداد خطة تتراجع بها طهران عن خطواتها الأخيرة ، بحيث يجري تنفيذ تلك الخطة وفقاً لجدول زمني يصار به تفكيك أجهزة الطرد المركزي والتخفيف من مخزون اليورانيوم المخصب الفائض أو شحن الفائض منه ، الأمر الذي يتطلب إنجازه حوالي شهرين أو ثلاثة أشهر .
وعلى التوازي ، ينبغي على أوروبا اتخاذ خطوات فورية للحد من الضرر الاقتصادي الذي خلفته العقوبات الأميركية التي حرمت إيران من فوائد الصفقة من خلال التعاون مع القطاع الخاص لدعم التجارة مع إيران .
وعلى الرغم من كون العقوبات الأميركية أحادية الجانب ، فإن آثارها السلبية طالت دولاً عدة ، لذلك فمن الضرورة منح الشركات الدعم المطلوب للانخراط في السوق الإيرانية بحرية ودون أي مخاوف خشية فرض عقوبات صارمة بحقها ، ما يجعل تخفيف العقوبات أو رفعها خطوة نحو ضمان المزايا الاقتصادية للأطراف كافة .
في العام الفائت ، رُفض طلب إيران للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لمكافحة جائحة كوفيد 19 ، الذي شكل عبئاً إضافياً على اقتصادها المحاصر ، لذلك يجب على أوروبا حث إدارة بايدن على دعم مطلبها ، وضمان تسهيل تجارتها الإنسانية ، بالإضافة إلى ذلك ، فإنه بإمكان الولايات المتحدة إعطاء الضوء الأخضر إلى أوروبا بشأن شراء النفط الإيراني ما يتيح لأوروبا تزويد طهران بخط ائتماني تستخدمه في التجارة الإنسانية أو صفقات شراء أساسية أخرى ، تلك الفكرة التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2019 وقوبلت بمعارضة من إدارة ترامب .
ويجب على إيران أن ترد على خطوات بناء الثقة من خلال الانخراط الفعلي مع أميركا والمملكة المتحدة وحكومات أخرى ، وإلى جانب ذلك ، ينبغي أن تنطوي الجهود الدبلوماسية الأوروبية على المساهمة في تحسين علاقات إيران مع جيرانها العرب والتحول من القطيعة إلى التعاون ، وتمهيد الطريق نحو حوار خليجي بدعم من جهات أوروبية ، وتمثل هذه المبادرة السبيل الأفضل لتخفيف العلاقات المتوترة بين دول الجوار وخاصة بين إيران والسعودية .
وبالمحصلة ، لا يحمل الاتفاق النووي المبرم عام 2015 في طياته علاجاً ناجعاً للعداء الإيراني مع أميركا ، وبدرجة أقل ، مع أوروبا ، ولكنه يحد من الانتشار الذي أثار مخاوف عالمية ، وفي حال أبدت أوروبا جهوزيتها للمساعدة في إنعاش هذا الاتفاق وتعزيزه فلا ريب بأنه سيصار إلى الحد من الانتشار النووي والعودة إلى الاتفاق .
المصدر
THE GUARDIAN