الثورة أون لاين – سامر البوظة:
على الرغم من انقضاء المعركة الانتخابية الأميركية وتنصيب جو بايدن رئيساً جديداً للولايات المتحدة ، إلا أن فصول هذه المعركة لم تنته بعد ، لاسيما بعد الشرخ الكبير والانقسام الذي ولدته هذه الانتخابات في المجتمع الأميركي، حيث لا يزال الغضب يسيطر على مناصري الرئيس المهزوم دونالد ترامب وخاصة اليمين المتطرف الذين أصيبوا بالإحباط بعد تنصيب بايدن ، وذهاب رهاناتهم على الفوضى أدراج الرياح ، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي حصلت في مبنى الكونغرس وما تلاها من تبعات واعتقالات طالت المئات من المتظاهرين الذين شاركوا بعملية الاقتحام وغيرهم من أتباع تلك الجماعات المتطرفة ، وهو ما دفع تلك الجماعات إلى التحرك بسرية ، وعلى ما يبدو أنهم يخططون لمواصلة تحركاتهم ويعيدون تنظيم صفوفهم بعيداً عن ترامب ، وبحسب خبراء فإنهم باتوا أكثر ميلاً إلى ارتكاب أعمال عنف ، الأمر الذي يدل على الولايات المتحدة مقبلة على مرحلة صعبة من الاضطرابات والفوضى إذا ما صدقت تلك التحليلات .
فاليمين المتطرف الأميركي ليس غاضباً من جو بايدن وحسب ، وإنما غاضب من دونالد ترامب لتخليه عن المتظاهرين ، وغاضب على نفسه أيضا ، حيث تكثر على الإنترنت الخلافات ومشاعر الإحباط في المنتديات التي يتحاور فيها المتطرفون ، منذ فشل اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن في السادس من كانون الثاني .
ويشعر أنصار حركة “كيو- أنون” لليمين المتطرف الأميركي التي تؤمن بنظرية المؤامرة ، باليأس لأن تنبؤاتهم بحصول فوضى مع وصول الرئيس الديمقراطي إلى السلطة لم تتحقق أقله حتى الآن ، ويرى اختصاصيون في الحركات المتطرفة والإرهاب الداخلي أن نهاية ولاية ترامب الرئاسية شكلت انتكاسة لهذه المجموعات .
ليس هذا فحسب ، فقد ساهمت نهاية ولاية ترامب وحظر المتطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك ، في تأجيج مشاعر الغضب ، وفي هذا الإطار يقول مايكل اديسون هايدن من مجموعة “ساذرن بوفرتي لو سنتر” للأبحاث حول التطرف أن الحظر على مواقع التواصل الاجتماعي في ذاته أصبح عاملاً موحداً لمجموعات اليمين المتطرف .
واتجه كثيرون إلى المنصات النادرة التي لا تزال متاحة خصوصاً تطبيق تيليغرام الذي يستخدمه الآلاف من أنصار “كيو- انون” ومجموعة “براود بويز” المتطرفة ، وبحسب هايدن فإن البنى التحتية لاتزال قائمة لينظم اليمين المتطرف صفوفه .
على المقلب الآخر ، يبدو أن الرئيس الأميركي الجديد مصمم على تغيير صورة بلاده التي اهتزت دولياً ومحلياً خلال فترة تولي ترامب ، ومنذ الأيام الأولى لولايته يتجه جو بايدن نحو أسلوب القطيعة مع السياسة الخارجية لسلفه ترامب ، وهذا ما يتجلى في حديثه حول إعادة واشنطن إلى اتفاقات دولية ، عدا عن تصريحاته الودية لحلفاء انتقدهم ترامب ، لكن في الكثير من الملفات الأساسية وأبرزها المنافسة مع الصين ، يبدو أن استمرارية السياسة السابقة هي التي ستحكم المشهد .
فانضمت واشنطن من جديد إلى اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية ، في إشارة إلى عودتها للمؤسسات متعددة الأطراف بعد أربع سنوات من نهج أحادي متشدد ، كما فتح بايدن الطريق أيضا أمام تمديد العمل باتفاقية “نيو ستارت” لخمس سنوات إضافية ، وهي آخر معاهدة دولية كبيرة مع روسيا في مجال الحد من التسلح النووي .
وبعيداً عن مواقف القطيعة تلك ذات الرمزية ، قد تكتفي إدارة بايدن في بعض الملفات بتغيير في النبرة والأسلوب ، لا بتغيير تام للاستراتيجية ، فلا توجد نية من المعسكرين اليمني أو اليساري في الولايات المتحدة بالتراجع عن الانسحاب من أفغانستان والعراق بعد سنوات من حروب لا نهاية لها ، كما أكد المرشح لمنصب وزير الخارجية انتوني بلينكن أن واشنطن لن تتراجع عن الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ، الذي أحدث ضجة عالمية حينما أعلنه ترامب في بداية ولايته .
وفي هذا الإطار ، ترى فيليس بينيس من مركز دراسات “انستيتوت فور بوليسي ستاديز” المقرب من اليسار الأميركي أن في ذلك الموقف دليلاً على أن بايدن لن يكون راديكالياً في مجال الدبلوماسية كما في مجالات مكافحة التفاوتات الاقتصادية والعرقية والتغير المناخي .
واعتبرت أن الإجراءات التي اتخذها ترامب هدفت إلى إرضاء العناصر الأكثر تطرفاً في المشهد السياسي الإسرائيلي ، وما لم يقم بايدن بإلغائها ، سيتحول الموقف الأميركي إلى وسيلة لتطبيع تلك الحالات المتطرفة