الثورة أون لاين – د. مازن سليم خضور:
هذه كانت واحدة من صور متداولة لفتاة في الجزيرة السورية شكلت صدمة بالنسبة إلى الكثيرين المرأة تحمل بيدها بندقية وهي ليست بحالة غريبة عن التاريخ المشرف للمرأة المقاتلة في سورية، لكن وجهة البندقية هذه المرة خائنة غير مسبوقة إن صحت الروايات المتداولة “إن المرأة في الصورة المرفقة، أطلقت النار على مواطنين عزل في الحسكة، احتجوا على ممارسات ميليشيات قسد الانفصالية و حصارهم الجائر على أبناء المدينة”.
“الوجهة المختلفة” للبندقية فتحت الباب واسعاً أمام تساؤلات كثيرة حول مصير مُدن شمال شرقِ البلاد، بعد حصارٍ وصفَ بالأخطر قامت به الميليشيات الانفصالية “قسد” بحق المواطنين، طال الخبز و المحروقات و أبسط مقومات الحياة في تحدٍ لكل الأعراف و القوانين و كأن قدر هذه الأرض أن تُطعن من القريب و الغريب معاً، دون أن تحمل تجارب الماضي أي درسٍ “للمقامرين” على الوطن و تاريخه.
ذات المشهد و إن في وجهة مختلفة، شكل حينها صورة مشرفة لفتاة سورية حاربت دفاعاً عن الأرض فماذا “لو” التقطت الصورة المتداولة منذ أيام لذات الفتاة، وهي تحارب تنظيمات إرهابية مدعومة من قبل النظام التركي، لماذا لم يعد المشهد كذلك، هل تغير العدو وهل توقفت هذه التنظيمات عن محاولات سرقة الأرض و إخراج هذه الفتاة من أرضها ونسف تاريخها و تشويه صورتها؟
ذلك لم يحدث، إذاً ما الذي تغير؟
أدوات كثيرة استثمرت في الحرب على سورية، حركات وفصائل وجماعات حُركت من قبل مشغليها من دول مختلفة كلٌ حسب مصالحته، حتى أن البعض من هذه الحركات تبدل في أحضان أكثر من دولة وارتفعت الرايات حسب الأموال، وتبدلت التحالفات لدرجة أنه بتنا نشاهد تحالفات بين أقصى الراديكالية مع أقصى الليبرالية في مشاهد صادمة لم تحصل إلا في الحرب السورية.
ميليشيا ” قسد” هو اختصار لقوات سورية الديمقراطية ولنضع ديمقراطية بين عدة أقواس، هذه الميليشيا واحدة من تلك الفصائل التي لعبت دورا سلبيا في الحرب السورية، وحتى لا يفهم الكلام بغير محله، لنفصل في البداية بين هذه الميليشيا وبين المكوّن السوري من “الكرد” الذي يعتبر مكونا أساسيا من مكونات الشعب السوري الذي نتباهى بتنوعه في كل الاوقات.
عندما نتحدث عن هذا المكون نتحدث عن الشهيد يوسف العظمة وزير الحربية السوري في مواجهة الاحتلال الفرنسي ونتحدث عن العلامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي شهيد المنبر.
أما تلك الميليشيا التي تمثل جزءا من المكون الكردي فهنا نعي ونقصد مصطلح “الميليشيا” فهي من خلال ممارساتها التي تقوم على الخطف والسلب والسرقة وبالتالي هي أفعال ميليشياوية .
اغلاق ما يسمى “الادارة الذاتية الكردية” المدارس التي تدرس مناهج وزارة التربية في الجمهورية العربية السورية في المناطق التي “تسيطر” عليها يتناقض مع ادعاء شعار الديمقراطية التي تنادي به، خطوات ممنهجة اتبعتها الميليشيات الانفصالية تهدف إلى إلغاء المكونات الأخرى من العرب والسريان الأرمن والاشوريين بالإضافة الى قمع اي تحرك سلمي قام به المواطنون والطلاب رفضاً لتلك التحركات بالرصاص الحي.
سرقة النفط وبيعه للاحتلالين الأميركي والتركي عبر سماسرة جعل من فرضية العداء مع النظام التركي ورقة مراوغة إعلامية وأخرى للضغط بهدف تحقيق مكتسبات شعبية وخلق حالة تجسيد إعلامي دائم ليس إلا، بظل تنسيق استخباراتي برعاية أمريكية وفق أقل تقدير.
منع الفلاحين من بيع القمح إلى الحكومة السورية خطوة مضافة إلى حصار “المساومة الارخص” دعم بمنع وصول الخبز وكذلك المياه والطاقة، جعل مصير ما يقارب المئة ألف نسمة مفتوحاً على المجهول، ما ينذر بحدوث كارثة إنسانية تهدد حياة المواطنين في لقمة عيشهم، بظل تعنُتٍ “وقح” وصل حد منع كافة المواد الغذائية من الوصول الى مركز المدينة، إضافة إلى صهاريج المياه حتى تلك التي أرسلتها منظمة اليونيسيف، بظل صمت متواطئ من قبل الهيئات الأممية والمنظمات الإنسانية تجاه ما يحدث بالجزيرة السورية.
حملات الاعتقال التعسفي للشباب في مناطق تواجد الميليشيات الانفصالية وزجهم في القتال قسراً، واحدة من جرائم قمع الحريات و فرض واقعٍ غير متوازن مرتبط بوجهة هذه الميليشيات فقط، دون السماح إلى أي رأي أو موقف مغاير أن يكون على أرض الواقع ” لا يزال مراسل الإخبارية السورية الزميل محمد الصغير مخطوفا من قبل ميليشيات قسد منذ تاريخ 3 حزيران 2019 بتهم باطلة وادعاءات مزيفة، مع استمرار منع ذويه من التواصل معه حتى إعداد هذا المقال” .
أمام كل هذه الحقائق والأفعال على من تراهن تلك الميليشيا وهي التي طالبت الجيش العربي السوري في التدخل مع بدء المحتل التركي حربه في الشمال السوري:
هل تراهن على دعم أميركي جديد بعد وصول “بايدن” إلى الحكم؟ علماً أن الرئيس السابق دونالد ترامب عندما قرر الانسحاب من الجزيرة السورية، حط في اليوم التالي مباشرة وفد من ميليشيا “قسد” في العاصمة دمشق، ليحاور الحكومة السورية وعندما اختلف الحال عاد الرهان “السيء” وصولاً الى الحصار الأخير على الحسكة.
المعلومات المتداولة مؤخراً تفيد بأن السفير الأميركي الأسبق في دمشق روبرت فورد قدم لإدارة بايدن نصيحة بانسحابها من سورية هل يبرر ذلك التحرك الاخير لها بهدف قلب الاوراق؟
هل تراهن على دعم غربي لتشكيل دولة مستقلة وتحقق حلمها الانفصالي سواء في سورية أو العراق أو تركيا وإيران في معادلة مستحيلة قد يجتمع ضدها الحلفاء و الأعداء؟
أسئلة مطروحة على الرهان “القسدي” و “المسدي” و غيرها من عناصر الرهانُ القذر ؟
كل ذلك يبقى برسم رهانٍ على حراك شعبي يخلق “مقاومة شعبية” ضد كل أوجه الاحتلال للأراضي السورية الاجنبية منها و تلك الانفصالية.
أهالي قرية “خربة عمو” في القامشلي قبل أشهر شكلوا في مواجهة رتل عسكري أمريكي، صورةً و إن مازالت طرية متواضعة، لكنها قد تكسر واقعاً بقي راكداً لسنوات طويلة في حال عُممت و تم تبنيها بشكل أوسع، ما قد يغلق الباب و بشكل نهائي.. أمام “الرهان القذر”، آخر حروب الجغرافيا.