النسبية.. منهج عقلاني نقدي في التفكير

 الملحق الثقافي:د. عدنان عويّد :

إذا كان الإطلاق في المواقف الفكرية، يعني الثبات والجمود أو الموت، وبالتالي عدم القبول بالمراجعة أو التعديل أو التغيير، ولو قيد أنملة بالموقف المتَّخذ، فهذا يعني أيضاً عدم القبول بالرأي الآخر، وغالباً ما يتوقف على هذا التمترس بالرأي، تكفير الآخر وزندقته وتخوينه، وربما يصل الأمر إلى حدِّ سجن المختلف وتعذيبه، أو حتى تصفيته جسدياً، من باب الحفاظ على ما تَحَوَلَ من مواقف فكرية عند الإطلاقين، إلى مقدس لا يمكن المساس به أو انتقاده أو تغييره أو مراجعته كما أشرنا قبل قليل. بغض النظر هنا عن دوافع الإطلاق بالرأي، دينية كانت أو سياسية أو ذات مصالح أنانية ضيقة.
إن رفض الآخر تحكمه بالضرورة دوافع مصلحية، تريد حواملها من وراء هذا الرفض، إما التفرد بغنائمٍ ما، اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية من جهة، أو نتيجة لدرجة الوعي المتخلف التي وصلت إليها الحوامل الاجتماعية للرأي المطلق، أو نتيجة إجراء مسح عقول لهم، وهو مسحٌ مُورسَ عليهم بفعل تصور أيديولوجي مغلق، يدَّعي بأنه هو من يمتلك الحقيقة المطلقة وغيره لا، وفي كل الحالات يأتي النفي لمن يقف ضد الحقيقة المطلقة وأصحابها.
أما القول بالنسبية، فهذا موقف عقلاني نقدي من قبل المتحاورين تجاه الظواهر أو المسائل المتحاور حولها، على اعتبار أن النسبية هي موقف منهجي يؤمن بنسبية الحقيقة شكلاً ومضموناً، ومن يؤمن بالنسبية يؤمن بالرأي والرأي الآخر، ولديه القدرة على مراجعة أفكاره دائماً، والعمل على خلق توازن بين حركة الواقع وتطوره وتبدله، وبين البنية الفكرية التي يحملها أو يقبل بها، لذلك تظل أفكاره قابلة للنقاش والتعديل والمراجعة، وعلى هذا الأساس دعونا نتعرف على هذه النسبية:
النسبية في جوهرها تعني الحركة والتطور والتبدل في الظواهر، اجتماعية كانت أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، والنسبية تقوم على أساسين هما:
أولاً – النسبية المطلقة:
وهي نسبية تقرُّ بأن أي ظاهرة في الطبيعة أو المجتمع، هي ظاهرة تقوم على الحركة، أو تسكنها الحركة، والحركة تولد في داخلها تناقضات بين مكوناتها، ستؤدي إلى تجاوز ما أتلفه التغيير أو الحركة ذاتها من داخل الظاهرة أومن خارجها، على أن كون الظاهرة ليست بنية معزولة عن عالمها الخارجي، بل هي بنية لها محيطها الذي تؤثر فيه ويؤثر فيها.
ثانياً – النسبية النسبية:
وهي من حيث المبدأ لا تخرج عن جوهر النسبية المطلقة، من حيث تحكم الحركة في الظاهرة، ولكن الفرق بين النسبيتين برأيي، أن النسبية المطلقة تتعلق بالوجود المادي «الأنطولوجي» للظاهرة، أما النسبية النسبية فتتعلق بالوجود المعرفي «الأبستمولوجي» الذي يتعامل مع الظاهرة، فالحقيقة «الظاهرة» وفق هذا الوجود المعرفي، تقوم على معرفة ناقصة، والمعرفة الناقصة تتوقف على درجة ثقافة المتحاور واهتماماته، والتوجه الأيديولوجي الذي يتبناه ومصالحه، فهذه العوامل كلها تلعب دوراً في تقويم الظواهر عند المتحاورين. ولنعطي مثالاً على ذلك:
لو اجتمع مجموعة أفراد ذوي اهتمامات مختلفة في غرفة عند صديق، ووجدت أمامهم مزهرية جميلة، لنظر كل منهم إليها من حيث اهتماماته بالضرورة، فالفنان سينظر إليها من حيث رؤيته الفنية. ألوانها وامبلاجها وترتيب الزهور داخلها.. الخ. وتاجر البلور سينظر إلى نوع بلورها وجودته، وسعرها ومصدر توريدها.. الخ. والإنسان العادي ستحقق عنده حالة الإدهاش الفني المجرد من أي قيمة فنية أكاديمية أو قيمة سلعية. هذا ونستطيع القول من جهة أخرى: إن كل منهم سيراها بصورة تختلف عن الآخر، من حيث موقعه في الجلسة وزاوية نظره.
هكذا نرى أن النسبية في شكليها المادي والفكري، سترفض الإطلاق ومحاربة الرأي الآخر والاستهانة به، أو العمل على إقصائه وتهميشه.
النسبية في المحصلة، منهج حياة يسعى إلى التعامل مع الظواهر بعقلانية، وأهم ما تجسده هذه العقلانية، الإيمان بالآخر، وبأن الحقيقة ملك للجميع طالما أن الهدف الأساس من البحث عنها، هو مصلحة الجميع، ومن أجل الجميع حاضراً ومستقبلاً.
 كاتب وباحث من سورية
d.owaid333d@gmail.com

التاريخ: الثلاثاء2-2-2021

رقم العدد :1031

 

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى