ثمة فروق طفيفة ما بين الشجاعة والتهور، وبين العلم والمعرفة، أو بين السرعة والتسرع، وكذلك الأمر ما بين الحقيقة والصورة سواء أكانت في المرآة أم من خلال العدسة الفوتوغرافية أو التلفزيونية، الأمر الذي يحتاج الكثير من التأني والتدبر قبل إصدار الحكم بصدق الواقعة أو كذبها، وما بين حدوث الأمر من عدمه.
ودافع الخوض في هذه الفلسفة الصعبة ذلك الوضع المعيشي والاقتصادي الضاغط الذي نعيشه، والذي يزداد ضغطاً وصعوبة يوماً بعد يوم، فغالباً ما نتحدث ونقف عند النتائج ولا نخوض أو نبحث في الأصل والأساس، وذلك بعد عقد كامل من العدوان الهمجي والإرهابي الذي قادته حكومات وأنظمة وأجهزة استخباراتية لم تدع أسلوباً شيطانياً إلا واتبعته، والأنكى من كل ذلك كان ادعاء المعتدين أنهم حريصون على حرية السوريين ومعاشهم وحياتهم اليومية، وهم في سعيهم لمساعدة السوريين لم يتركوا باباً للقتل أو الذبح أو التفجير أو التخريب أو التضليل أو الحرب النفسية أو الحصار الاقتصادي إلا وكان باباً مفتوحاً على التدمير والخراب ومحاولة إلحاق البلد بالغرب وفرض التبعية للصهيونية بصورة مباشرة.
ولعل الجانب الإعلامي وما رافقه من حرب نفسية مثل الجانب الأشد تأثيراً في الحرب الإرهابية على سورية منذ اليوم الأول، إذ تم بناء الدعوات للتظاهر والخروج على القانون على روايات مفبركة وتقارير كاذبة وشهادات مزورة تم ترويجها منذ اللحظات الأولى من خلال أكثر من ألف وسيلة إعلامية كانت ضمن خطة العدوان.
واليوم بعد عشر سنوات لم تتوقف الحرب الإعلامية والنفسية لحظة واحدة، فقد تم تطويرها وتوسيع دائرة فاعليتها عبر التركيز على وسائل التواصل الاجتماعي والقيام بإنشاء صفحات وحسابات خاصة وفتح قنوات مختلفة تحت أسماء وهمية تدعي انتماءها الوطني فيما تعمل على دس السم في العسل.
وربما تابعنا كصحفيين أكثر من غيرنا تلك الحسابات والصفحات التي تطرح مشاريع وطنية شكلاً فيما تعمل على شق الوحدة الوطنية مضموناً، وتفرق بين أبناء الشعب السوري، وتدعوهم لقتال الجيش والدولة، وقتل بعضهم بعضاً، ولعل أكثر تلك الصفحات كذباً وتزويراً وتخريباً تلك التي تدعو إلى الإصلاح ومحاربة الفساد، مستغلة الاندفاع العفوي للمواطن لفعل ذلك حقيقة، فيتعاون معها ويساعدها ويقدم لها معلومات حقيقية وصادقة ظناً منه أنه يبني بلده في فترة العدوان والخراب، ويغيب عن باله أن للفساد درباً داخلياً للإصلاح وأن من يدير تلك الصفحات والحسابات خارج حدود الوطن أجهزة استخباراتية كانت حكوماتها من بدأ العدوان على سورية وشعبها، فهل تسمح تلك الأجهزة لأي شخص يعيش في بلدانها بتنفيذ ما يخالف سياساتها.
إنه شكل الحرب القذرة بأسلوب ناعم، لن يلبث أن ينقلب ويفضح حقيقته عندما يحين للانتقال إلى مرحلة جديدة، تماماً كما تم تسويق شخصيات قبل العدوان الإرهابي، فانفضح أمرها ومضت إلى نهاياتها غير مأسوف عليها، وكذلك سيكون أمر من بدؤوا يقدمون أنفسهم مخلصين للشعب السوري وهمومه وهم يقبعون في الفنادق الفاخرة ولا يشعرون باحتياجات المواطن الكريم القابض على جمر الكرامة والصمود.
معاً على الطريق – مصطفى المقداد