الثورة أون لاين – أحمد حمادة:
هل حقاً منح ما يسمى المجتمع الدولي المحكمة الجنائية الدولية الضوء الأخضر لمحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين؟ أم أن الأمر مجرد ذرٍّ للرماد في العيون، ولا سيما أن المحكمة نفسها، مع بقية المحاكم الدولية، ذرَّت الكثير من الرماد في عيون الشعوب واستغفلتهم زمناً طويلاً، وحاكمت مجرمين في لحظة ما لأن أميركا طلبت منها ذلك، وحجبت تحقيقاتها عن الكثير من الجرائم بحجج واهية، ومنها الجرائم الصهيونية التي تصدر المحكمة قرارها عنها في هذه الآونة؟!.
فكم تجاهلت المحاكم الدولية جرائم أميركا بحق العراقيين بعد غزوها لبلدهم؟ وكم تجاهلت قتل الجنود والطيارين الأميركيين للسوريين وحصار واشنطن الظالم لهم مرات عديدة، وآخرها الذي جاء باسم “قانون قيصر”؟ وكم تناست تلك المحاكم جرائم الولايات المتحدة في إفريقيا وآسيا ونهبها لثروات الشعوب وإبادتها؟ وكم وكم من الجرائم التي ذهبت إلى أدراج تلك المحاكم وطوتها أوراق النسيان؟!.
من هنا، ومن ثنايا هذا السؤال الخاص (بالضوء الأخضر) تبدو المخاوف من أن يكون قرار “الجنائية الدولية” هو حبر على ورق، ما لم تكن هناك إرادة دولية فاعلة تلجم التدخل الأميركي في اختصاصها وعملها، وتبدو المخاوف أكثر حين نعود إلى التاريخ القريب والبعيد ونرى أن هذه المحاكم لم تستيقظ أبداً ولم تحاسب مجرمي الحرب الإسرائيليين.
صحيح أن كثيراً من الدول والمنظمات والحكومات التي رأت أن ثمة تطوراً إيجابياً طرأ أخيراً على الساحة الدولية، ويتمثل بإعلان المحكمة الجنائية الدولية ولايتها على الأراضي الفلسطينية، وأنها باتت معنية بأي جرائم حرب ترتكب بحق الشعب الفلسطيني من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذا التطور الإيجابي سيصطدم بخطوط حمر معروفة، ستشكل عائقاً بوجه تنفيذه، وتعرقل خروجه إلى النور، وهذه الخطوط غالباً ما ترسمها الولايات المتحدة حليفة الكيان الصهيوني والمتسترة رقم واحد على جرائمه الإرهابية النكراء.
فمن بين سطور الترحيب بهذه الخطوة نجد أميركا – كعادتها – تستشيط غضباً، ويصرح مسؤولو خارجيتها بأنهم قلقون بشدة بعد محاولات المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها على “العسكريين الإسرائيليين”، ولا ندري ما هي الذرائع الأخلاقية والقانونية والسياسية التي تتذرع بها واشنطن لمحاربة قرار الجنائية الجديد سوى الحجج الواهية بأن فلسطين ليست “دولة”؟!.
أما إذا عكسنا الصورة وقلنا لو كان هذا القرار يستهدف دولاً لا تروق سياساتها لواشنطن لكانت الخارجية الأميركية السباقة إلى الترحيب به، بل والثناء على من أصدره وتكريمه وإغداق العطايا له، وربما ستزود المحكمة بالوثائق التي تساعدها على إتمام مهمتها، أما والحال ينطبق على الكيان الصهيوني المتهم الإرهابي والعنصري الأول في العالم فالمسألة بعيون الأميركيين فيها وجهة نظر!.
اليوم نرى الكثيرين على مستوى المنظمات الدولية والحكومات اعتبروا أن قرار “الجنائية الدولية” بالغ الأهمية، ويقدم أخيراً بعض الأمل الحقيقي في العدالة لضحايا جرائم خطيرة ارتكبها الكيان الإسرائيلي بعد نصف قرن من الإفلات من العقاب، إلا أميركا كعادتها تغرد خارج السرب الدولي وتستعد ربما لمعاقبة قضاة المحكمة لجرأتهم على خطوطها الحمر.
وكثيرون طالبوا أيضاً المحكمة بتسريع إجراءاتها القضائية في الملفات المرفوعة أمامها، والتي تتضمن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل خلال ثلاثة حروب شنتها على قطاع غزة، إضافة إلى ملفي الأسرى والاستيطان، إلا واشنطن كانت خارج التيار العالمي، ترفض الأمر، وتهدد وتتوعد، لأن بعض خبراء المحكمة وقضاتها استيقظوا بعد سبعة قرون ونيف من الجرائم وبدؤوا يلوحون بإمكانية محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين!.
كلنا يعرف السطوة الأميركية على المنظمات الدولية وحرف قراراتها وسياساتها كما تشتهي واشنطن، وكلنا يعرف أن الكيان الإسرائيلي ما كان ليرتكب كل جرائمه وإرهابه بحق العرب والفلسطينيين لولا هذه السياسات الأميركية الداعمة له، ولولا غياب المحاسبة الدولية (بالفعل الأميركي أيضاً)، لكن ربما اليوم تختلف المسألة بعد تراجع دور أميركا في العالم، فهل تفعلها “الجنائية الدولية” وتبدأ بمحاسبة مجرمي الحرب الصهاينة؟ نتمنى ذلك ولننتظر، فالزمن كفيل بفضح النوايا والخطوات، والماء سيكذب الغطاس!.