في كلّ مرة نود فيها مسايرة رغباتنا النفسية والجسدية ومنحها قسطاً من الوقت خلال السير في شوارع عاصمة الياسمين، لقضاء واجبات مهنية أو شراء حاجات ضرورية في رحلة تسوق غير مستعجلة لتفريغ ما تراكم من طاقة سلبية ضاغطة على الروح والأعصاب، نرى أن هناك ثمة مشاغل سلوكية أخرى تحبط عزيمتك وأنت اللاهث بحثاً عن الأمان في تقطيع هذا الشارع وعبور ذاك الدوار، لتفاجأ بسيارة يصعقك صوت زمورها المتعجرف ويحرفك لأمتار من الخوف، وما أن يرتد وعيك لثوان حتى ترتطم مرة أخرى بدراجة نارية يحسب صاحبها أنه في ماراتون رياضي لمسافات ومساحات افتراضية، وكأن الأرصفة المتعبة لايكفيها لون السواد وقد تحولت إلى ورش مختلفة لإصلاح السيارات، وبسطات لبيع الخضار والفاكهة والمواد الغذائية..
فيما حال المواطن يقول أين المفر في التفاتاته المتنقلة يميناً ويساراً وخطواته المتعثرة، التي تضيق يوماً بعد يوم في حالة من العبث المزري لفوضى مرورية يصعب وصفها بعدما أزيلت العديد من المنصفات مايجعل حركة السير تتمايل على الجوانب المختلفة.
فيما أقدام المشاة المتثاقلة عند كبار السن وبين أخرى خاطفة لشبان وشابات لا يأبهون لرعونة بعض السائقين، مايحبس الأنفاس عشرات المرات في اليوم القصير.
بالتأكيد لانرمي اللوم على أحد هنا بعدما أكلت الحرب العدوانية على بلدنا والتهمت بحقدها كلّ مظاهر الجمال وعوامل الأمان والاطمئنان، فقد كانت الأماكن المخصصة لكلّ فعاليات المجتمع تفي بكلّ الضرورات يوم كانت أرصفة المشاة لايطأها إلا أقدام المارة، والورش المعنية بإصلاح وترميم ماعطب من آلات وأجهزة ومعادن لها حاراتها وشوارعها المخصصة، ناهيك عن المدن الصناعية التي اختصرت الكثير من تشوهات الحرف المبعثرة فأصبحت سوقاً واسعة للعديد من المصانع وإصلاح السيارات وقطع التبديل والتي يقصدها غالبية القاطنين في المدينة وضواحيها.
المشكلة هنا هو التداخل الحاصل في كلّ شيء بالمدينة حيث الازدحام السمة البارزة والوجع الأكبر لعلامات الانتظار، بعدما انكفأ العديد من أصحاب المركبات والسرافيس عن هذه الصنعة.
عين المجتمع -غصون سليمان