الثورة أون لاين – فؤاد الوادي:
تبدو محاكمة الرئيس الأسبق دونالد ترامب وتبرئته بهذه السرعة القياسية وكأنها أشبه بمسرحية هزلية جديدة للديمقراطية الأميركية المزعومة التي باتت تتكئ على عكاكيز هشة، قد تنكسر وتتحطم في أي لحظة بعد أحداث الكابيتول الأخيرة التي عرّت حقيقة أميركا بشكل صادم ومفاجئ حتى للأميركيين أنفسهم.
الملفت في هذه المهزلة الجديدة، أي مهزلة (تبرئة ترامب) بهذا الشكل وهذه السرعة، لا سيما بعد موجات الصخب والضجيج والاستعراض الشعبية والرسمية المطالبة بمحاكمته لإهانته الديمقراطية الأميركية، أنها كشفت وعرّت المشهد الأميركي من الداخل، والذي بدا هشاً جداً ومنقسماً على حاله، سواء بين الحزبين الحاكمين الديمقراطي والجمهوري، أم داخل الحزب الجمهوري نفسه، وهذا بحد ذاته يعكس أمرين متناقضين تماماً.
الأمر الأول هو ضعف المنظومة الرسمية الأميركية بشكل يفوق المتوقع، إلى درجة عدم قدرتها على اتخاذ قرار جامع بحجم استعادة الهيبة للديمقراطية المزعومة التي كانت على مدار عقود طويلة ولا تزال مجرد قناع لإخفاء وجه أميركا القبيح والمتوحش والإرهابي ومطية لاحتلال وغزو العالم ونهب خيراته وثرواته، وخصوصاً أن ما فعله ترامب من تحريض على العنف والفوضى والتمرد قد وحّد معظم الأميركيين من أجل محاكمته ومعاقبته بسبب إهانته للديمقراطية الأميركية.
أما الأمر الثاني والذي يشكل صدمة كبرى للأميركيين فهو مشاركة معظم أعضاء الحزب الجمهوري – إن لم يكن جميعهم – في دعم وتبني أحداث الشغب والفوضى في الداخل الأميركي كوسيلة للتعبير عن الرفض والامتعاض من نتائج الانتخابات الرئاسية التي أفضت إلى وصول بايدن إلى سدة الرئاسة، لا سيما بعد اعتراف أعضاء كبار في الحزب الجمهوري بضرورة استثمار ترامب كورقة رابحة لمواجهة مشاريع وأجندة بايدن، ومن هؤلاء السيناتور ليندسي غراهام، وزعيم الجمهوريّين والسيناتور ميتش ماكونيل الذي اعتبر أنّ مجلس الشيوخ غير مؤهّل لمحاكمة الرئيس السابق.
الوجه الآخر للديمقراطية الأميركية المزعومة أظهرته استطلاعات الرأي للشارع الأميركي التي كشفت بعضاً مما يدور خلف الكواليس، حيث رأى أغلبية الأميركيين أنه كان ينبغي إدانة ترامب خلال محاكمته الثانية في مجلس الشيوخ قبل يومين، ووفق الاستطلاع الذي نشرت نتائجه صحيفة( ذا هيل) الأميركية فإن نحو 60 بالمئة من الذين استطلعت آراؤهم في الـ 13 والـ 14 من الشهر الحالي، أي بعد محاكمة ترامب يرون أنه كان ينبغي إدانته من قبل مجلس الشيوخ بتهمة التحريض على أعمال العنف خلال الهجوم على مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني الماضي، فيما رأى 77 بالمئة أن العلاقات الحزبية لعبت دوراً كبيراً في كيفية تصويت أعضاء مجلس الشيوخ فيما اعتقد 23 بالمئة فقط أن أعضاء مجلس الشيوخ أدلوا بأصواتهم بناء على الحقائق المقدمة لديهم، كما أظهر الاستطلاع أن الأغلبية ممن شملهم الاستطلاع اتفقوا على أن الأدلة ضد ترامب كانت قوية وأن أعضاء مجلس الشيوخ صوتوا أثناء محاكمته على أساس الحزب الذي ينتمون إليه.
وكان 57 عضواً في مجلس الشيوخ أيدوا إدانة ترامب مقابل رفض 43 عضواً خلال التصويت النهائي أمس الأول ما يعني عدم توافر غالبية الثلثين المطلوبة لإدانته.