الثورة أون لاين – تحقيق ربا أحمد – محمود إبراهيم:
لم تهدأ فورة الأسعار يوماً بعد أن وجدت لنفسها آفاقاً مفتوحة عجزت أمامها كل الجهود لإيقافها والحد من غلوائها، وفي أسواق طرطوس يبدو المشهد جلياً بعد أن ابتلعت الأسعار كل ما احتوته جيوب المواطنين دون رحمة أو رادع، دافعة بالمستوى المعيشي للمواطنين إلى مستويات متردية نتيجة عجز موارد مختلف الشرائح عن مجاراة تلك الارتفاعات المستمرة للأسعار وتجاوزها لعتبات تفوق قدراتهم بعشرات الأضعاف.
تجاوزت عتبة الآلاف..
فقد تجاوزت أسعار السمون والزيوت النباتية عتبة الآلاف خلال أسبوع واحد، وكذلك المنظفات حيث تراوح سعر عبوة سائل الجلي ما بين 1700 إلى 2200 ليرة، ومسحوق الغسيل 6000 ليرة، والكلور 1100 ليرة والمحارم الورقية أكثر من 1700 ليرة، وللحديث عن الكونسورة والمعلبات شجن آخر بعد أن وصل سعر نصف كيلو رب البندورة إلى 2500 ليرة، والطحينية 6700 ليرة، وأوقية القهوة 5200 ليرة، وأوقية الشاي 4000 ليرة، بينما حلق ثمن كيلو الرز من ١٨٠٠ إلى ٣ آلاف ليرة والسكر قارب ١٩٠٠ ليرة.
الألبان والأجبان..
ولأن موجة ارتفاع الأسعار شملت كل السلع والمنتجات فقد طالت تلك الارتفاعات حليب الأطفال الذي يشكل أولوية لمعظم الأهالي والأسر التي حرصت على تقنين شرائه ولو على حساب احتياجات أخرى بالنظر لحاجة الطفل الملحة له، ويأتي هذا في وقت بلغ السعر 4500 ليرة لعبوة حليب سعة ٣٥٠ غ، و٦٠٠٠ ليرة لعبوة ٦٦٠ غ، بينما علبة حليب نيدو الأطفال بلغت ٨ آلاف ليرة.
تسعيرة (الواتس آب)..
والحال نفسه بالنسبة للألبان والأجبان التي ترتفع أسعارها بشكل يومي بحسب ما قاله بائعو تلك المواد محملين المسؤولية للمعامل والمنتجين للألبان والأجبان والذين يرسلون التسعيرة يومياً إلى باعة المفرق عبر (الواتس آب)، ليحولوا بذلك غذاء المواطن إلى بورصة يتحكمون بها يومياً فيما خلت الساحة من أي أثر للجهات الرقابية المختصة بمتابعة الأسواق وضبط إيقاعها.
محاولات السورية للتجارة..
وإزاء ذلك شهدنا محاولات (السورية للتجارة) لكسر تلك الأسعار من خلال توفير نفس السلع في صالاتها ومنافذ بيعها في محافظة طرطوس والبالغ عددها 132 منفذاً وصالة ومركز بيع، وقد كشفت جولة على بعض منها أن هناك فارقاً في السعر يصل إلى 20% لبعض المواد (منظفات، كونسروة) مع فقدان بعض المواد الأساسية الأخرى كالسمون والزيوت، وأكد المواطنون أن أسعار المواد تقل حوالي ٣٠٠ إلى ٥٠٠ ليرة عن السوق، ولكن هناك سوء نوعية لدى بعض المنتجات كأنواع رب البندورة والقهوة وحفاضات الأطفال، ومع ذلك تجدهم يقبلون على الشراء توفيراً للمال بعد أن تنازلوا عن مقياس الجودة والمواصفات الأفضل.
أقل بـ 30%..
مدير السورية للتجارة بطرطوس محمود صقر أكد أن السورية تبيع بأقل بنسبة ٣٠ % عن السوق وهو ما يؤدي لفقدان بعض المواد كالسمون، وعن سبب غياب الأجبان واللحوم عن منافذ وصالات طرطوس كافة أشار صقر إلى أن هناك مناقصة رست لتوريد فروج إلى الصالات والمنافذ التي تحتوي برادات وهناك مناقصة لتوريد أجبان وألبان أيضاً، لافتاً إلى أن الشركة تعاني من نقص عمالة كبير وسيتم حل الأمر من خلال مسابقات المسرحين الأخيرة، وعن مشكلة عدم توفر كافة المواد في الصالات بيّن أن المنافذ صغيرة لذا تضم الحاجات الأساسية للمواطنين فقط عكس الصالات التي تكون مجهزة بالكامل، وهي ليست منافس فقط بل هي أقوى من السوق وحيث بلغت مبيعات فرع طرطوس خلال العام الماضي إلى 13 مليار ليرة.
حماية المستهلك..
بدوره مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك يوسف حسن أكد أن التاجر لا يستطيع أن يُسعر على هواه، فلكل مادة بيان تكلفة يحدد وفقها سعر المادة إن كانت أساسية وذلك عن طريق لجنة التسعير، واعتبر أن عملية التسعير عبر (الواتس آب) التي يقوم بها بعض التجار غير قانونية وهناك عشرات الضبوط نتيجة التفاوت بالسعر، فلا عذر للتجار برفع أسعار المواد التي اشتراها قبل ارتفاع الأسعار ويجب أن يبيع على السعر القديم وفقاً لرقم الدفعة والفواتير التي لديه.
لا بد من تشديد العقوبات..
وأكد حسن أن عدد كوادره كافة والدوريات ٢٤ ساعة وأي شكوى تحل مباشرة، ولكن يطالب بعقوبات أشد للتجار المخالفين لردعهم أكثر وفق القانون، وبخصوص فساد بعض المراقبين أكد أن المديرية لديها لجنة تقييم شهرية ومن يثبت ارتكابه أي مخالفة يُوقف أو يُنقل أو يُفصل.
وعن تسعيرة المواد المستوردة أشار مدير حماية المستهلك إلى أن لها بيان تكلفة ضمن قوانين خاصة لكل مادة بحيث تحمل كل مادة مستوردة بطاقة لاصقة عليها بيان الاستيراد وحصراً وفق تسعيرة المصرف المركزي.
بورصة أسعار الخضار والفواكه..
الثورة جالت على أسواق بيع الخضار في كل من (سوق الكراج القديم) و (سوق العريض) وعدد من المحال المتفرقة في مدينة طرطوس، وسجلت أسعار الخضار المعروضة فيها وقارنتها بالأسعار المسجلة في سوق الهال، حيث ت
بين من خلال المعاينة وجود فوارق سعرية كبيرة بينهما تصل إلى حد 40% لبعض أنواع الخضروات والفواكه.
حجج التجار ومبرراتهم..
وقد أرجع العديد من أصحاب المحال التجارية في سوق الهال وأسواق الخضار ممن التقتهم (الثورة) هذه الفروقات لعدة أسباب، منها ضعف آلية تصنيف المنتج وارتفاع أسعار النقل من سوق الهال إلى الأسواق الأخرى، بالإضافة إلى أن كل سوق يعتمد في بيعه على نخب معينة من الخضراوات ليتلاءم مع نوعية زبائنه.
واعتبر تجار سوق الهال أن عملية العرض والطلب وندرة بعض أنواع الخضراوات التي تخضع عادة لعملية المزاد وأسعار المواد الأولية والقدرة الشرائية للمواطنين تساهم جميعها في تحديد الأسعار سواء ارتفاعاً أم انخفاضاً.
نشرة يومية للأسعار..
وفي هذا الخصوص أكد يوسف حسن مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في طرطوس على تواجد عناصر التجارة الداخلية وحماية المستهلك في سوق الهال والأسواق الأخرى، وذلك لضبط حركة السوق وضبط كل حالة تستوجب المخالفة مبيناً أنه وبشكل يومي يتم وضع نشرة تفصيلية بأسعار الخضراوات، وهذا الأمر يتم بمشاركة تجار السوق أنفسهم، وأضاف إن أصناف الخضراوات غير المسجلة على النشرة اليومية تعامل معاملة الفاتورة لأنها تكون في غير موسمها فهي إما من المحافظات الأخرى أو مستوردة، وفي الوقت ذاته يوجد في كل سوق هال لجنة لتحديد الأسعار وهي على تواصل دائم مع مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
عرض وطلب..
وأشار حسن إلى أن الآلية المتبعة في تحديد أسعار الخضراوات تخضع لعملية العرض والطلب أما بالنسبة للكيفية المتبعة في تصنيف الخضراوات (نخب أول نخب ثاني) فالأسعار الموجودة في النشرة اليومية هي أسعار النخب الأول لأن الخضراوات تعتبر سلع ذات خصوصية مختلفة عن باقي السلع الأخرى كونها سريعة التلف مع مرور الوقت ولهذا السبب فإن التدرج في اعتماد التصنيف يتأثر تباعاً بالزمن الذي تبقى فيه الخضراوات لدى البائع من جملة ومفرق.
فشل الأسواق الشعبية
وفي هذا السياق يمكن أن نتذكر تجربة الأسواق الشعبية التي فشلت بعد عجزها عن تحقيق الهدف المطلوب منها في التدخل الإيجابي وكسر حلقة الوصل ما بين المنتج والمستهلك، حيث تحولت بعد فترة وجيزة من انطلاقها إلى أسواق ومنافذة جديدة لأصحاب البسطات والسماسرة والتجار الذين يلهثون وراء الربح الإضافي مثلهم مثل باقي الأسواق الأخرى.
اتحاد الفلاحين يتدخل..
وفي هذا يقول محمود ميهوب رئيس اتحاد الفلاحين بطرطوس إنه تم إغلاق الأسواق الشعبية ليتم إعادة تنظيمها بعد الفوضى التي حصلت في الآونة الأخيرة نتيجة دخول التجار إليها علماً أنها مخصصة بالأساس للفلاحين ليعرضوا منتجاتهم ويبيعوها للمستهلك بشكل مباشر دون وسيط، بحيث سيكون لها لجنة مشرفة واتحاد الفلاحين عضو فاعل فيها لجهة الإشراف على الأسعار بحيث يجب أن تقل بنسبة ٢٠% عن الأسواق، وقريباً سيتم افتتاح سوقي الرابية والغمقة.
هي حال الأسواق الكل يحاول شد اللحاف لصالحه بينما المواطن يئن برداً وجوعاً أمام هبوط كبير بالقدرة الشرائية بين المعروض وإن كان بحدود تكلفته الدنيا وبين ما تحتويه جيوبه من مصادر دخل أكلت جسده وروحه لكي تحاول تسد رمق الحاجة التي بات يرزح تحتها.