أحيانا يبدو الأمر بديهياً… أن نتعلق بلغتنا الأم، ونتمكن من التعبير عبر حروفها وكلماتها حتى يحار الوجدان كيف يتعلق بها…
وحين ننتقل إلى لغة أخرى ندرك ونشعر بالاختلاف، فهي مجرد حالة ميكانيكية، كي نجاري كل انفلات العلوم والمعارف نحو لغات لا بدّ منها كي لا نحاصر ضمن عوالم تزداد تعصبا وتمسكا باللغة الأم.
والفرق بين تعلم لغة، ولغتنا الأم…كالفرق بين المنزل البديل والمؤقت، الأول يؤمن لك الإقامة، والآخر الدفء والأمان والحماية…بالطبع ليس الأمرعاطفياً، إننا ندرك قيمة اللغة واتقانها في العالم المعرفي المتغير بسرعة رهيبة…
وبالطبع قوة اللغة ليس من انتشارها وعدد المتحدثين بها فقط، بل من الطريقة التي تفرض نفسها في المحافل العلمية والمعرفية وفي عالم التكنولوجيا…
لغتنا العربية..ننسى أحياناً نقاط قوتها، لنتذكرها في المناسبات كما نفعل حالياً…ونحن نحتفل خلال أيام متقاربة باليوم الدولي للغة الأم (21) شباط، اليوم الذي خصصته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، فاللغة العربية كلغة أم تحتل المرتبة الرابعة عالمياً حيث يتحدث بها (467) مليون نسمة، يتوزعون على ستين دولة…
وأيضا نحتفل بعد حوالي أسبوع في الأول من شهر آذار، باليوم العربي للغة العربية وفيه اعتُمدت كإحدى اللغات الست الرئيسة في الجمعية العامة للأمم المتحدة واللجان التابعة لها…
في هذين اليومين نتذكر اللغة العربية، كما كل المناسبات الأخرى..حيث تعقد الندوات، وربما المؤتمرات… وتحفل المجالس المعنية بالحديث عن أهميتها.. ويبقى الأمر نظرياً.. أما في الواقع العملي… ما إن ننتقل إلى إعلامنا العربي حتى نرى كل تلك الفضائيات الضخمة البراقة تملأ بثها بمذيعين يرطنون بلغات أخرى على سبيل التفاخر… ويرسخونها لتبدو من المسلمات الداعية إلى تجاوز اللغة الأم كأن من يتحدث بها يمسه عيب لا براء منه…وهو مجرد مظهر من مظاهر كثيرة تحاول ارجاعها إلى المشاهد الخلفية…
بالتأكيد لا خوف على لغتنا فتراثها وحضارتنا وخصوصيتها … تحميها…ولكن السكينة والاستكانة لما مضى ربما هو ما يشكل خطورة عليها…لابد من خطوات عصرية مغايرة تجعلها تقفز فعلياً إلى عالم المعرفة والتقانة كي تعبر حدوداً لانهائية، خاصة وأننا ندرك أن لغتنا قادرة على طرق هذا الباب بقوة…
رؤية – سعاد زاهر