الثورة أون لاين – أحمد حمادة:
القضية ليست بتصريحات “جين ساكي” المتحدثة باسم البيت الأبيض حول نية الرئيس جو بايدن إغلاق معتقل “غوانتانامو” بعد نهاية ولايته، بل بمجمل الكذب الأميركي حول ما يجري في هذا العالم المنكوب بالسياسات الأميركية، بدءاً بحديث العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، مروراً بالمقاربة الجديدة المزعومة للأوضاع في سورية، وانتهاءً بمحاربتهم المزيفة للإرهاب، وعودتهم “القانونية” إلى المشهد العالمي من بوابات الاتفاقيات الدولية مثل “ستارت والمناخ”، وإلى منظمتي العفو والصحة العالمية، ونيتهم تصحيح السياسات الأميركية الخاطئة التي رسختها إدارة ترامب الهوجاء، ولندقق أكثر بما قالته المتحدثة إياها لنرى الأكاذيب الباطلة بأدق تفاصيلها.
نبدأ من معتقل “غوانتانامو” الذي أنشأته أميركا لتحقيق أكثر من غاية خبيثة، أولها لتوهم العالم بأنها تحارب الإرهابيين، وثانيها لتتاجر بمحاكمات مزعومة لإرهابيي “القاعدة”، وربما لتدريبهم هناك وإعادة نشرهم حيث تسّير بوارجها وطائراتها، ولتستثمرهم حيث تصل ألسنة أجنداتها الاستعمارية.
لكن مع كل هذه الأهداف المستورة كانت الأصوات العالمية والحكومات والمنظمات الدولية تتعالى وتطالب واشنطن على امتداد السنوات الماضية بإغلاق المعتقل سيئ الصيت والذكر، و طي هذه الصفحة السوداء من تاريخ الولايات المتحدة الشائن، والكف عن انتهاكها لحقوق الإنسان هناك، ووقف التعسف والتعذيب وسوء المعاملة، والكف عن تعطيل سيادة القانون وإنكار العدالة، وتوقفها أخيراً عن الاستثمار بالإرهاب، والزعم بمكافحته.
والحقيقة التي لا يمكن لأحد أن ينكرها، ولا أن يدير ظهره لها، والتي كانت واضحة وضوح الشمس في عز الظهيرة، بل وتحمل في طياتها المزيد من الغطرسة والصلف والعدوان الأميركي على القانون الدولي، إن ردود الإدارات الأميركية السابقة المتعاقبة، منذ إنشاء هذا المعتقل الرهيب وحتى اليوم، كانت تتلخص برفضها العلني إغلاقه، بل والمضي بانتهاك القانون الدولي بأوجه مختلفة، فلا إدارة بوش الابن أغلقته، ولا إدارتا كلينتون وأوباما تجاوبتا مع النداءات الدولية، ولا حتى إدارة ترامب أصغت للأمر البتة.
إلى هنا والأمر في حدود “المنطق”، أي “منطق” الرفض الأميركي السافر بإغلاق المعتقل، نظراً لمعرفة العالم “بمنطق” أميركا الأعوج وسياساتها الإرهابية المنافية لأبسط قواعد القانون الدولي والإنساني، إلا أن المفارقة المثيرة للسخرية والاستهجان معاً، والتي تعدت حدود المنطق المتغطرس إياه، تتمثل بموقف إدارة جو بايدن الجديدة، التي تريد المحافظة على مواقف الإدارات التي سبقتها، ولكن بثوب “ناعم” يشعر العالم بأنها “رحيمة وإنسانية”، فصرحت تصريحاً في غاية الغرابة والسخرية، وأعلنت على لسان “جين ساكي” المتحدثة باسم البيت الأبيض أن: “بايدن يريد إغلاق المعتقل قبل انتهاء ولايته”!.
هكذا إذاً يأتي اللعب على العالم، بثوب جديد وسخرية أخرى، فرغبة بايدن ستتحقق “قبل انتهاء ولايته”، وسوف تتحقق رغبة الأصوات الدولية بتفعيل القانون الدولي في هذا المكان الخارج أساساً على “سلطات القانون الدولي وحتى الأميركي” بعد أربع سنوات من الآن، لا بل ستظهر “ساكي” في نهاية هذه السنوات الأربع لتقول للعالم: “سوف ينفذ بايدن هذه الرغبة في ولايته القادمة إن نجح في الانتخابات”.
اللافت أكثر في هذه التصريحات الخلبية أن مروجي السياسات “الناعمة” الكاذبة التي يمتهنها “الديمقراطيون” عادة فاتهم أن هناك “كذبات” أكثر إقناعاً من هذه، فلو أسعفهم منظروهم “العباقرة” بتصريحات مثل “إن بايدن يفكر بإغلاق المعتقل وسيتم طرح الأمر على الكونغرس” أو أن “فريقه يدرس الأمر ولديه استراتيجية جديدة نحوه”، وغيرها من الأكاذيب التي يمكن أن يقدحها منظرو البيت الأبيض أو إعلامهم “الخنفشاري” فوراً كما هي العادة، لكان الأمر قد اندرج على الأقل ضمن تصريحاتهم الكاذبة الغامضة التي تحتمل التصديق والانتظار.
لكن على ما يبدو فإن “الديمقراطيين” لم تسعفهم عقولهم هذه المرة، وفي هذه الجزئية، بأفكار تقنع حتى الأطفال، فسلقوا تصريحهم سلقاً ولم ينضج ليكون مقنعاً، ولا حتى قابلاً للتصديق، وانكشف كذبهم حيال قضية المعتقل إياه عبر جملة واحدة غير مدروسة، وكأنه صورة طبق الأصل “فوتوكوبي” عن مجمل سياساتهم التي أطلقوا بالونات اختباراتها أمام العالم، وروجوا لخطوطها العريضة.
فمجمل تلك السياسات لم يجف حبر تصريحاتهم عن أوراقها بعد، والتي أوهموا العالم خلالها بأنهم سيعودون إلى الاتفاق النووي مع إيران، وأن لديهم مقاربات جديدة مزعومة عن احتلالهم للأراضي السورية وسرقتهم للنفط والثروات ومحاربتهم المزيفة للإرهاب، وأنهم عادوا بقوة إلى المشهد الدولي من بوابة العودة لاتفاقيتي ستارت والمناخ، والعودة لتمويل منظمتي العفو والصحة العالمية، والنية لتصحيح السياسات الأميركية الخاطئة التي رسخهتا إدارة ترامب الهوجاء، وكأن كل ما يقولونه لذر الرماد في عيون الدول والحكومات والشعوب ليس إلا، وما التفكير بإغلاق المعتقل المذكور “بعد أربع سنوات” إلا عينة صغيرة جداً من دجلهم “المؤجل تنفيذه” دوماً وأبداً!.