الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف
أوجز جو بايدن فكرته الجديدة للسياسة الخارجية في خطاب ألقاه في الرابع من شباط مركزاً على إعادة بناء الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة، قائلاً : “لم يعد هناك خط فارق بين السياسة الخارجية والداخلية” ، “كل إجراء نتخذه يجب أن نأخذ في الاعتبار العائلات العاملة الأمريكية” ، ظاهرياُ يبدو هذا الكلام كنوع من الشعارات المُتوقعة من زعيم ديمقراطي ، والمترافقة مع الوعود بسياسة تجارية “تتمحور حول العامل” ، والمشككون في الجناح اليساري للحزب قلقون من أن مثل هذه التعهدات قد لا تؤدي إلى نتيجة بالنظر إلى أن بايدن متحمّس للتجارة الحرة ، لكن هذه الأجندة الجديدة تستحق أن تُؤخذ على محمل الجد ، وهذا يعكس المخاوف التقدمية التقليدية بشأن تأثير التجارة على معايير العمل والبيئة ، وهو أيضاً نتيجة لإعادة التفكير من قبل بعض المسؤولين أمثال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ، حول التكاليف التي فرضها عقدين من العولمة المفرطة على المجتمع الأمريكي .
ولكن أمام بايدن هنا معضلة جديدة في السياسة الخارجية ، فهو يريد دعم العمال في الداخل ، ولكنه يريد في الوقت ذاته إعادة تأكيد القيادة الاقتصادية الأمريكية في الخارج ، خاصة في آسيا ، ومن دون شك ، هناك تعارض كبير بين هذين الهدفين ومن نواحٍ عديدة .
وهنا تكمن مشكلة الصين ، إذ يريد صنّاع السياسة في أمريكا ، مثل سوليفان وكيرت كامبل ، كبير مستشاري بايدن في آسيا ، التعامل مع بكين من خلال إحياء التحالفات والشراكات الآسيوية التي تضررت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب ، فقد استخدمت الولايات المتحدة ذات مرة نفوذها الأمني والاقتصادي للقيام بذلك ، من خلال مشاريع مثل الصفقة التجارية الأصلية للشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) ، ولكن من جهة أخرى ، فإن النفوذ الاقتصادي الأمريكي في آسيا آخذ في التراجع ، بالتزامن تماماً مع ازدياد تأثير الصين ، حيث تقوم بكين بعمل جيد لتحل محل واشنطن كبطل لتحرير التجارة الإقليمية .
في كل الأحوال يعد الابتعاد عن سياسات ترامب المدمرة بداية جيدة وخاصة أن تعريفاته الجمركية على الصين تكلف الأمريكيين ما يقرب من ربع مليون وظيفة ، كما أنه لايزال هناك نقاش حاد حول ما إذا كانت السياسة التجارية ، وليس التكنولوجيا ، هي سبب المشكلات التي عصفت بالطبقات الوسطى في الولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة ، ومع ذلك كان من الواضح أن حقيقة ركود الدخل ، إلى جانب تصورات السياسة التجارية غير العادلة ، هي أسباب الغضب وعدم الاستقرار السياسي اللذين يعيقان الآن النظام السياسي الأمريكي ، حيث أكد سوليفان : “إن قدرتنا النسبية على استيعاب جميع تكاليف الاقتصاد الدولي المفتوح هي أقل بقليل مما كانت عليه من قبل” .
المشكلة هي أن هذا الكلام لا يبعث على الارتياح في آسيا ، لأنه قبل ترامب ، كانت الولايات المتحدة مصدراً رئيسياً للطلب بالنسبة للمصدرين الآسيويين وأهم داعية لسياسات التجارة الحرة التي يعتقد القادة الإقليميين أنها ستحسن فرصهم في التنمية الاقتصادية ، أما الآن فإن الدور الأمريكي بدأ بالتقلّص ، في الوقت الذي ازداد فيه وزن الصين في ضوء التعافي السريع بعد الوباء ، كما أن إتمام بكين الناجح للاتفاقية التجارية الإقليمية الشاملة للشراكة الاقتصادية والتي تضم 15 دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من دون الولايات المتحدة ، أكّد دور الصين كبطل تجاري إقليمي ، كما أن دول جنوب شرق آسيا ترى نفسها أكثر اعتماداً على الصين لتحقيق النمو ، كذلك حلفاء الولايات المتحدة المخلصون ، مثل اليابان وكوريا الجنوبية ، الذين يشعرون بالقلق من القوة الجيوسياسية المتصاعدة للصين ، يعترفون بالاعتماد المالي المتبادل مع بكين .
يقول بايدن إنه لا يزال يريد كتابة “قواعد الطريق” العالمية بشأن التجارة ، بينما يسلط مستشاروه الضوء على الخطط المحتملة لواشنطن لتطوير علاقات جديدة متعددة الأطراف ، وذلك من خلال وضع قواعد ومعايير جديدة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي أو البيئة الخضراء .
إن الولايات المتحدة تريد تجاوز الاتفاقيات القديمة مثل CPTPP ومن المحتمل أن تبدأ في التفكير بشكل أكبر من خلال بدء مفاوضات بشأن اتفاقيات تجارية جديدة من الجيل التالي تركز على مجالات كثيرة مثل التجارة الرقمية .
في غضون ذلك يتغير المشهد الاقتصادي في آسيا بسرعة ، من دون وجود الولايات المتحدة، وقد يتم توسيع CPTPP قريباً ليشمل دولاً مثل كوريا الجنوبية وبريطانيا ، ومن المحتمل أن تدخل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة حيز التنفيذ بحلول نهاية عام 2021 ، ما يعزز مكانة الصين الجديدة في قلب النظام الاقتصادي في آسيا .بشكل عام ، إن تركيز بايدن على سياسة تجارية “تتمحور حول العمال” هو لعبة سياسية محلية ، فقد كسبت الولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة أصدقاء في آسيا من خلال فتح اقتصادها ، أما الآن ومع اختلاف الظروف فإن مهمة بايدن في بناء التحالفات وإدارة صعود الصين ستكون أصعب بكثير .
المصدر Foreign Policy