الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
إنَّ قيمة الكلمة تتبعُ قيمةَ المتكلِّم، وقيمةُ المتكلِّم تقاس بإنسانيَّته، والإنسانيةُ صفة المتكلِّم العاقل، والعقلُ هو الصفةُ العليا للحكيم.
فما أكثر المتكلِّمين، وما أقلّ الكلمة الممتلئة بروحِ الحكمةِ والجمال، فهل الحكمة هي من يمنحُ الجمال قيمته، أم هو من يمنحها القيمة؟!!.
في حوارٍ حول الجمال، يختم «سقراط» بقوله لـ «هيبياس الأكبر» زعيم السفسطائيين: إنٍّ الجميلَ شيءٌ صعب»..
فإذا كان الجمال شيئاً يصعب تحديدهُ بدقَّة، فالحكمةُ لا تقلُّ عن الجمال في صعوبة التحديد. ذلك أن الكلمة الفصل، تحتاج لخبرةِ حكيمٍ عركته الحياة بين البشاعة والجمال، ليُفضي لها من جميل القول، ما يعطي للكلمةِ تلك القيمة المعنوية الرفيعة.
إذا أردنا أن نعبِّر عن الجمال، نحتاج الكلمة، ولابدَّ أن تكون جميلة بنسبةٍ تعادلُ نسبة الجمال، وإذا حكَّمنا رأياً، نحتاج أيضاً الكلمة الممتلئة بالجميل، لتغدو الحكمة جميلة وبها تورقُ المسامعُ على قدرِ الومضات.
ومضةٌ من ومضات الفهمِ، يمتلكُ العارفُ بها عُرى الحكمة بالكلمة الجميلة، كمن يمتلكُ قلبَ امرأةٍ بكلمةٍ جميلة، وهناك من يرسمُ ابتسامةَ حبٍّ على الوجوه المتعبة بكلمة.
نمتلكُ قلوب الأطفال بكلمة، ونؤلِّب علينا الآخرين بكلمة، وكم من كلمةٍ أودت بقائلها إلى الجحيم، أو إلى مراتب النعيم.
بالكلمة،ِ نحيا أو نموت، وما الحياة سوى كلمة تَرفعُ أو تضع.. بالولادةِ نرى الحياة، وبالكلمة نعيش الحياة، فإن خلت الكلمة من الجمال، أعلنت البشاعة تعاسة المتكلّم، وإن خلت من الحكمة، أودت به إلى أسفل السافلين.
الكلمة الجميلة، الحكيمة، تكوي تجاعيد الحياة، فتزهرُ فينا ونزهرُ فيها، وبغيرها نرمي حياتنا بين الأماني الصعبة المنال، وبين الواقع المثقل بالهموم، كأن الجبال انتصبت فوق هاماتنا.
فمن أين تبدأ الحكمة، ومن أين يبدأ الجمال، ومتى تبدأ الكلمة بالتعبير عنهما، كي نباشر الحياة بالحياة؟!!.
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء23-2-2021
رقم العدد :1034