حين تبدأ رحلة عمل ما وتمضي خطوات في تنفيذه من البديهي أن تقف لتراجع ما أنجزت لتقييمه وتقويمه إن كان ثمة ما يجب أن يقيم ويقوم..
هذا أمر ضروري في كل عمل فكيف بالإعلام؟ المهنة التي تقدم كل يوم وكل ساعة جديداً في الوسائل والأدوات والخطاب..
ولم تعد مهنة الإعلامي تقتصر على رصد الحدث ومتابعته وتحليله.. بل هي اليوم صانعة حدث وموجهة رأي.. تمهد للمعارك تقصف العقول وتهزم العدو في بنيته الاجتماعية والثقافية والفكرية قبل أن تتحرك أدوات الحرب الأخرى..
من هذا المنطلق في قراءة التقييم والتقويم إن كان يحق لنا فعل ذلك.. طرحنا في الزاوية السابقة عنواناً.. البحث عن هيكل الإعلام السوري..
وإذا ما كان البحث يقتضي أن نحدد شخصاً ما إعلامياً ما.. فهذا في الإعلام السوري ظلم لكل إعلامي يعمل… واستباق لأي تأويل يمكن التقرير بثقة مطلقة أن إعلامنا قدم قامات مهمة جداً فيما مضى وهو يفعل اليوم ولدينا الكثيرون ممن تركوا البصمة… لنا (هيكليون) كثيرون.. ولكن هل أتتهم فرص هيكل ذاته… هل قدمناهم كما يجب أو صنعنا نجومنا الحقيقيين..
يجب الاعتراف بأننا مقصرون جداً في هذا العمل الذي هو جزء من مهنة الإعلام تلميع وإظهار الآخر..
لمعنا وأظهرنا الكثيرين في الفن والرياضة ووو ونسينا أن لنا حقاً كإعلاميين أن نعمل ولو على قاعدة طباخ السم يذوقه..
هذا جانب من مسؤولية الإعلام مؤسسات وأفراد.. إنه تقصير مازال مستمراً وربما سيبقى طويلاً.. له أسبابه الكثيرة.. ولكن لا يعني أن نترك الغبار يتراكم فوق ما تم إنجازه ليصبح ستاراً من تراب كل من أراد يلقي عليه حفنة من اتهامات.. تزداد كل يوم..
تأصيل ما أنجزه إعلامنا ضرورة ملحة.. الإعلام بكل وسائله.. المسموع والمقروء.
وربما علي أن أتحدث عن بيتنا الإعلامي صحيفة الثورة وما راكمته من إنجازات عبر أكثر من نصف قرن من الزمن.. ولاسيما بعد قيام الحركة التصحيحية المباركة.. إذ بدأت تجربة مهمة جداً استمرت طويلاً ألا وهي تجربة كل مواطن إعلامي ورقيب من خلال دور المراسلين الشعبيين الذين بلغوا الآلاف..
صحيح أن الكثير من الهنات وقعت خلال التجربة، لكن الأكثر صحة أن التجربة كانت الأولى على المستوى ربما العالمي أن كل مواطن هو إعلامي.. واليوم يعيش العالم هذه التجربة من خلال تقنيات التواصل مع أن الكثير من التضليل هو الآن سيد ما يسمونه شاهد عيان وكل فرد هو إعلامي ليس من خلال مدرسة إعلامية إنما من خلال ما أتاحت له التقنيات الحديثة..
والإعلام السوري في رسالته هو إعلام تنمية وتنوير ورقابة وإعلام مقاومة.. مسؤولياته تكاد تكون كل شيء..
عليه أن يرصد.. يحلل.. يتابع.. وأن يرضي الجميع.. يدخل كل بيت.. لا يمكن أن تشعر بالحرج حين يمسك ابنك صحيفة أو مجلة سورية أو حين يتابع محطة تلفزة.. أنت بكامل اطمئنانك.. لكن هل ستكون كذلك حين يتوجه إلى غيره..
هذا لم يأت من فراغ ولايصب بفراغ.. بل هو بناء أشبه بالاحكام المتقن وقد تنبه من يتربص بالإعلام إلى هذه القوة والرسالة… سواء من أراد نخره في الداخل أم من الخارج… ولاسيما بعد أن كانت محطات الانعطاف الكبيرة بعد الحركة التصحيحية… وما أداه الإعلام السوري… وهل نذكر بما أداه عام ١٩٨٧ وما بعد وكيف نقل القضايا التي أثارها إلى حيث يجب أن تناقش وكانت النتيجة إقالة حكومية حينها..
خطوات ووقائع ليست عابرة وهي مدماك في مشوار طويل لم تكن سهلة بل واجهت الكثير ومازالت تواجه بل تزداد المواجهة من الداخل والخارج.. وإعلامنا هذا في عين الرصد والمتابعة من الخارج ليس حباً به توجه الاتهامات وسيوف النقد إنما محاولة لكسره وتعطيل دوره.
فهل تصدقون أن الغرب يريد إعلاماً غير إعلامه؟؟
من هنا علينا أن نبحث أيضاً في كواليس محاولة تدجين إعلامنا ومن ثم الانطلاق إلى مرحلة التفقيس الإعلامي… وببساطة كل إعلامي سوري يعمل هو (هيكل) لا نبالغ بذلك لنا ما لنا وعلينا ما علينا… ولنكمل فيما بعد الحديث عن محاولات التدجين..
معاً على الطريق- ديب علي حسن