الثورة أون لاين – عائدة عم علي:
على الرغم من مرور ٢٧ عاماً على ذكرى مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، إلا أن تلك المجزرة لم تزل متواصلة حتى اليوم وتأخذ أشكالاً مختلفة، وتمتد لتشمل جميع مناطق الضفة الغربية المحتلة بهدف تفريغها من الوجود الفلسطيني، وتخصيصها لصالح الاستيطان، وذكرى هذه المجزرة التي ارتكبها المستوطن الإرهابي باروخ غولدشتاين، وراح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى، تأتي اليوم في ظل تكثيف الاحتلال إجراءاته العنصرية والرامية إلى تهويد البلدة القديمة بالخليل والحرم الإبراهيمي الشريف، ووسط حملة تحريضية واسعة ومتصاعدة ضد الفلسطينيين وصلت درجة إطلاق الدعوات العلنية لتصفية كل من يحاول رفع صوته في وجه تلك الحملات التهويدية.
ففي فجر يوم الجمعة الموافق 25 من شباط 1994، نفذ الإرهابي غولدشتاين، المجزرة التي استشهد فيها 29 فلسطينياً وأصيب 150 بجروح، عندما دخل إلى الحرم الإبراهيمي في وقت الصلاة وهو يرتدي بزته العسكرية وأطلق ثلاثة مخازن من بندقيته الرشاشة في المصلين الفلسطينيين وهم يؤدون صلاة الفجر، حيث انقض عدد من المصلين الناجين من المجزرة على غولدشتاين وقتلوه.
ولقد ثبت لاحقاً أن غولدشتاين لم يرتكب المجزرة وحده بل شاركه فيها جنود الاحتلال الذين أغلقوا باب الحرم حتى لا يتمكن المصلون من مغادرته، ومنعوا كذلك سيارات الإسعاف من الاقتراب من المنطقة، وحين حاول المواطنون نجدة المصلين قابلهم جنود الاحتلال خارج المسجد بإطلاق الرصاص الكثيف ما أوقع على الفور 29 شهيداً وعشرات الجرحى، وأثناء تشييع جنازات الشهداء زاد عدد الشهداء ليصل إلى 50 شهيداً.
وقررت حكومة الاحتلال الإسرائيلي على إثر المذبحة، تشكيل ما يسمى لجنة تحقيق أوصت بأن يتم تقسيم المسجد الإبراهيمي بين المستوطنين والفلسطينيين، وبموجب ذلك استولى المستوطنون على 54 بالمئة من مساحة المسجد، لتفرض بذلك واقعاً احتلالياً صعباً على حياة المواطنين في البلدة القديمة، ووضعت الحراسات المشددة على الحرم، وأعطت للاحتلال الحق في “السيادة” على الجزء الأكبر منه، حوالي 60 % بهدف تهويده والاستيلاء عليه، وتكرر منع الاحتلال لرفع الأذان في الحرم الإبراهيمي مرات عديدة.
والأمر المستهجن أن مجلس الأمن الدولي لم يقم بمسؤولياته التي يفرضها ميثاق الأمم المتحدة واكتفى بإنشاء البعثة الدولية المؤقتة في الخليل “تيف” في الـ 18 من آذار عام 1994 لتوثيق جرائم الاحتلال ومستوطنيه بحق الفلسطينيين واتخاذ تدابير لضمان حمايتهم في جميع الأراضي المحتلة، غير أن الاحتلال عرقل قيام البعثة بممارسة مهامها المحددة في قرار إنشائها قبل أن يرفض مطلع العام 2019 تجديد عملها.
وبعد المجزرة تعطلت الحياة الفلسطينية العامة في العديد من الأحياء والأسواق القديمة ومنها سوق الحسبة والذي استولى عليه المستوطنون كلياً، والسوق القديم (العتيق) وسوق القزازين وخان شاهين وشارع السهلة والشهداء، وشارعي الشلالة القديم الذي يحتوي على السوق الأهم في المدينة وشارع الشلالة الجديد وسوق اللبن وطلعة الكرنتينا وغيرها.
اليوم وبعد 27 عاماً على المجزرة يواصل الاحتلال جرائمه بحق الفلسطينيين، بدءاً من عمليات القتل المبرمجة، مروراً بعمليات الاقتحام المتواصلة للمدن والبلدات الفلسطينية واعتقال الشبان الفلسطينيين من منازلهم، وصولاً إلى جرائم الاستيطان المتصاعدة، والتي يزاد منسوبها اليوم بدعم أميركي لا محدود في إطار تنفيذ بنود ما يسمى “صفقة القرن” الرامية لتصفية الوجود الفلسطيني، حيث أعلنت سلطات الاحتلال الكثير من المخططات الاستيطانية للاستيلاء على الأراضي المحيطة بالحرم الإبراهيمي بهدف تهويدها وطمس هويتها العربية الفلسطينية وتزوير معالمها التاريخية، وسط تعامي المجتمع الدولي عن تلك الإجراءات، وعجزه عن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تؤكد عدم شرعية الاستيطان وتطالب بوقفه.
ويستوطن في البلدة القديمة من الخليل قرابة 400 مستوطن، في أربع بؤر استيطانية، بحماية 1500 جندي للاحتلال، ويعيش أهالي البلدة القديمة من الخليل صنوفاً من القهر والعذاب وسياسة التضييق، والاعتداءات اليومية من قبل المستوطنين وجيش الاحتلال.