لم يستطع ذلك الطفل أن يخفي دهشته من بعض ما شاهده بعد جولة قصيرة برفقة والده إلى السوق، واندفع متسائلاً وبلهفة “من أين يأتي هؤلاء بالمال لشراء كل ذلك؟”، سؤال حمل في طياته كثيراً من التساؤلات التي قفزت دفعة واحدة إلى ذهنه وباتت تحتاج إلى إجابات مقنعة..
فهو منذ عدة أشهر لم يفرح بموزة يأكلها قبل أن ينطلق إلى مدرسته، ولم يعد يذكر آخر مرة تناول فيها البطاطا المقلية، شيء واحد فقط وجد نفسه مضطراً أن يقتنع به وهو أن والده لا يملك المال الكافي ليلبي كل احتياجاته..
واليوم بات من الواضح أن شريحة محدودي الدخل ومعدومي الدخل هم الأكثر تأثراً بموجات الغلاء المتلاحقة، وبشكل سلبي طبعاً، فهؤلاء فقدوا كل قدراتهم بعد أن خارت قواهم أمام ضربات الأسعار وارتفاعاتها المستمرة، فالدخل الذي يحصلون عليه لم يطرأ عليه أي تعديل أو تحسن يذكر، بينما الأسعار في حالة عدم استقرار..
بمقابل ذلك نجد أن أصحاب الأعمال الخاصة، سواء كانوا حرفيين صغار أو أصحاب محال تجارية (باعة مفرق) أو حتى تجار بسطة، كما يسميهم البعض، وصولاً إلى كبار التجار والمنتجين، هؤلاء لم يتأثر مستوى معيشتهم بالقدر الذي طال أصحاب الدخل المحدود ومعدومي الدخل، بمعنى أدق هم لم يصلوا إلى حالة العوز الشديد التي انتشرت بين الموظفين والعمال ومن هم بلا دخل.
إن الفرق واضح والتباين كبير وشاسع في مستويات المعيشة بين هؤلاء وأولئك، بحيث لم يعد المجال متاحاً للمقارنة أو المقاربة، وبات الصغير قبل الكبير يشعر بذلك ويتأثر به، بدليل سؤال ذلك الطفل عن مصدر أموال بعض من صادفهم في السوق وهم يحملون ما لذ وطاب ويملؤون أكياسهم بالخضار والفواكه وغيرها، وكأنه يقول لوالده: لماذا لا تجني أموالاً مثلهم لتطعمنا؟ دون أن يدرك أنه يعيش في أسرة محدودة الدخل..
حديث الناس- محمود ديبو