افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
في مُحاولة القراءة بتصريحات وزير الحرب الأميركي لويد أوستن التي أتت عَقب العدوان الأميركي الأخير على مناطق في محافظة دير الزور – مناطق حدودية مع العراق – ربما لا يكفي التوقف عند الادّعاءات الكاذبة التي أتى عليها. وبالمُطلق لا يجوز النظر إلى العدوان ذاته على أنه كسابقاته من الاعتداءات المتكررة، ذلك أنه ينطوي على مَعانٍ سياسية وعسكرية، باعتباره الأول من نوعه بولاية جو بايدن.
في جميع الاعتداءات الأميركية المُتكررة – السابقة – كان من السهل وضع اليد على هدفها، من أنها محاولات متجددة تبحث عن طريقة تُعيد إحياء وتفعيل الدواعش الذين تُدربهم في التنف وباقي القواعد الاحتلالية الأميركية هناك، ومن أنها تَنطلق من تقديرات واشنطن التي تُركز على أهمية عدم التخلي عن أي من أذرعها بمنطقة الجزيرة السورية “الدواعش، نظام اللصوصية الأردوغانية، وقسد” بل إسنادهم والاستثمار فيهم، والتدخل المباشر لحمايتهم عندما يقتضي الأمر.
الجديد في هدف العدوان الأخير يَتجسد ربما بمحاولة واشنطن إضافة عناصر جديدة للمشهد، تَجلى أخيراً بنقل تنظيم الخوذ البيضاء إلى هناك للعمل على فبركة استفزازات كيماوية تُحيي من خلالها كذبة الكيماوي الأولى، فتستعيدها في سيناريو مَكرور للنفخ فيها مجدداً، استثماراً سياسياً، وعودة لصناعة أكاذيب أخرى لاعتمادها أساساً للاستمرار بالسياسات الإرهابية النّهبوية.
لا يَحمل أي جديد معرفة حقيقة أن حركة كلٍّ من الدواعش وقسد ونظام أردوغان يجري التحكم بها أميركياً، بل لا يُضيف شيئاً معرفة أن هذه الحركة التي لا تجري إلا وفق أوامر العمل الأميركية، فالمعلومات تؤكد أن “قاعدة التنف الاحتلالية” هي غرفة العمليات التي تُدير على السواء: العمليات الإرهابية المتنوعة، وعمليات النهب والسرقة للقمح والمحاصيل إضافة للنفط، لكنّ الجديد اليوم هو أنها باتت الغرفة المركزية التي يعتمد عليها البنتاغون ليُدير الفتنة، أو ليَزرع بذورها على نحو ما فعل أوستن بادّعاء الحصول على المعلومات من العراق، الأمر الذي فنّدته بغداد وكذّبته.
إن مُحاولات إحياء الدواعش أمر ثابت تؤكده الوقائع، وليست اتهاماً بلا أدلة تدين واشنطن، وإن ما تقوم به ميليشيا قسد، ونظام أردوغان إنما يتم تحت إشراف البنتاغون مباشرة، على أنّ ما يجري داخل الأراضي العراقية لجهة الاعتداءات الأميركية والداعشية على القوات العراقية وفصائل المقاومة لا يَشذ عن القاعدة من أنها العمليات التي تُدار أميركياً، وهو ما يُظهر مؤشرات حقيقية على أنّ السياسات الأميركية مستمرة مع بايدن، وعلى أنّ تغييراً لن يَطرأ عليها.
إذا كانت الولايات المتحدة تعتقد بإمكانية العودة إلى المُربعات الأولى بمحاولة إحياء الدواعش، فستكون مُخطئة جداً، وإذا هُيئ لها أنه بمقدورها زرع الشقاق بين سورية والعراق بادعاءاتها الكاذبة فستكون واهمة، وأما إذا حاولت اللعب بورقة الكيماوي مجدداً اعتماداً على “الخوذ البيضاء” بفبركات جديدة هناك، فسترتكب ربما حماقتها الأخيرة التي ستَكشف الحقيقة التي سعت لتزويرها وتَغييبها، وقد صار مَعلوماً من الذي درّب الإرهابيين على استخدام “الكيماوي” فضلاً عن أن المعلومات المُتعلقة بمساره ومَحطاته قبل أن يصل لأيديهم الآثمة لم تعد تَخفى على أحد!.
من بعد دحر تنظيم داعش الإرهابي، ومن بعد استعادة مناطق واسعة، لن يتوقف العمل عن ملاحقة الفلول الداعشية، وسيكون من العبث والعجز الفاضح أن تعمل أميركا على إحياء الدواعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، بالتعاون مع البريطانيين أو من دونهم، لتَكتشف إدارة بايدن ربما في زمن قصير أنها ستكون مُضطرة لفعل ما لم تتوقعه، ولتتعرف على مَحدودية الخيارات المُتاحة أمامها.