الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود :
بعد أن كادت قضية خطف وقتل وإخفاء جثة المعارض السعودي جمال الخاشقجي في السفارة السعودية بتركيا على يد فريق اغتيال تابع لولي العهد محمد بن سلمان تطوى وتوضع في أدراج الإهمال والنسيان ، وكأن شيئاً لم يكن ، أعادت إدارة بايدن هذه القضية للتداول مجدداً عبر تقرير استخباراتي يحمِّل بن سلمان شخصياً المسؤولية عن عملية الاغتيال ، حيث يؤكد التقرير الاستخباراتي الذي صدر حديثاً حول هذه القضية أن بن سلمان أجاز العملية بالكامل ، لأنه كان يرى بالخاشقجي تهديداً لعرش أبيه ، وهو ما ذهبت إليه أغلب التحليلات السياسية والإعلامية آنذاك .
وبعيداً عن التقرير والقضية التي تدخل في نطاق الابتزاز والاستغلال حكماً – وقد استغلها رجل الصفقات دونالد ترامب كأسوأ ما يكون قبل أن يقبض ثمنها باهظاً – فإن المنطق يقول لا يمكن لأحد أن يدخل إلى السفارة السعودية بأنقرة وينفذ فيها جريمة بهذه البشاعة والجرأة مع حصوله على الحماية والحصانة الكاملة دون أن يكون قد حصل على ضوء أخضر وأوامر من بن سلمان نفسه الذي يضطلع بكل مسؤوليات أبيه منذ أصبح ولياً للعهد ، وأزاح من طريقه كل منافسيه ، فالملك العجوز لا يعدو كونه مجرد واجهة للحكم ، بينما كل السلطات الآن هي بين يدي الابن .
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح ، ما الثمن الذي تريد أن تقبضه إدارة بايدن من النظام السعودي لإغلاق القضية ، إذ لا يمكن لعاقل أن يصدق أن واشنطن مهتمة كثيراً بمصير عميل لها كالخاشقجي ، ما لم تكن ترغب بتحقيق بعض المصالح الخاصة عبر ابتزاز بن سلمان – الحاكم الفعلي للسعودية حالياً – كما جرى في مرات سابقة ، فقد أبقت واشنطن على اعتداءات 11 أيلول عام 2001 مادة دسمة من أجل ابتزاز النظام السعودي بشكل مستمر ، على اعتبار أن معظم منفذي الاعتداءات المذكورة يحملون الجنسية السعودية وينتمون إلى تنظيم القاعدة الإرهابي ، وقد رأى العالم كيف ابتزت الإدارات الأميركية المتعاقبة من إدارة بوش الابن وصولاً لإدارة أوباما ، السعودية بهذا الملف باسم أهالي الضحايا ، من أجل الحصول على تعويضات بمليارات الدولارات ، قبل أن يستخدم سيء الذكر مايك بومبيو هذا الملف لابتزاز إيران ، حيث فبرك الاتهامات لإيران بالمسؤولية عن الاعتداءات وذلك إرضاء للنظام السعودي المتهم بها .
ربما يكون لإدارة بايدن هدف آخر من وراء إعادة هذه القضية للتداول – بالتأكيد هي لا تريد العدالة ولا القصاص العادل من القتلة والمجرمين – فالجنود الأميركيون يرتكبون أمثالها وأكثر منها في كل مكان يطؤونه ، فقد يكون الثمن المطلوب هو انضمام النظام السعودي بشكل علني إلى جوقة المطبعين مع الكيان الصهيوني ، وربما تريد إدارة بايدن مقاربة ملف الحرب في اليمن بطريقة أخرى – حيث يشهد العالم في اليمن أسوأ حروب الإبادة والتجويع والتدمير – للقول إنها لا تتحمل أي مسؤولية عما يجري هناك ، وقد سبق التقرير الاستخباراتي بخصوص مقتل الخاشقجي وعود أميركية بوقف تصدير الأسلحة الهجومية للنظام السعودي ، ورفع اسم أنصار الله من قائمة المنظمات الإرهابية ، وربما يكون التقرير مقدمة للإطاحة بمحمد بن سلمان من أجل الاتيان بآخر يخدم الأجندات الأميركية دون أن يكون له سجل أسود ملطخ بالجرائم من اليمن وصولاً إلى السفارة السعودية بتركيا .
ما من شك بأن هذه القضية ستطوى كما طويت قضايا أخرى بعد أن يدفع النظام السعودي ثمناً لها وهو سيدفع في كل الأحوال ، وقد تتحول حرب اليمن التي شنتها السعودية بأوامر من باراك أوباما إلى ملف جديد لابتزاز بن سلمان ، ما دامت السعودية وغيرها من الأنظمة الحليفة أو العميلة لأميركا مجرد “بقرات” تتقن واشنطن حلبها جيداً وقت تشاء