الثورة أون لاين – ناصر منذر:
لم يكن العالم بحاجة للكشف عن تقرير الاستخبارات الأميركية للتأكد من تورط ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان بقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي بتلك الطريقة الوحشية، فابن سلمان مولود من رحم الإرهاب الوهابي التكفيري الذي يفتك بشعوب المنطقة، وهذا الإرهاب يمتد إلى حيث تريد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ولكن كشف إدارة بايدن عن التقرير الاستخباراتي بهذه السرعة له مدلولاته في الوقت الحالي، فهو لا علاقة له بتنفيذ بايدن وعوده الانتخابية بالعمل على كشف قتلة خاشقجي ومحاسبتهم، وإنما لاستكمال حلب ضرع ” بقرة ترامب الحلوب”، ولكن بطريقة أشد دهاء من أسلوب تاجر العقارات الأميركي ترامب، وربما يستحصل بايدن أضعاف ما حصل عليه سلفه من خزينة النظام السعودي.
بايدن اكتفى فقط بالسماح بنشر التقرير الاستخباراتي، وليس في نيته معاقبة القاتل السعودي كما وعد سابقا، بحسب مسؤولين أميركيين بسبب ما اعتبروه أن التكلفة الدبلوماسية ستكون باهظة للغاية، وستضر بالمصلحة الأميركية، في إشارة واضحة إلى دور العمالة الذي يقوم به النظام السعودي في المنطقة لمصلحة الأجندات الاستعمارية للولايات المتحدة، فهذا النظام يمول كل الحروب التي تشعلها أميركا لاستهداف الدول والشعوب المناهضة لها، ويعمل على تفريخ الإرهاب حسب الطلب الأميركي، فضلا عن أنه أداة طيعة بيد الكيان الصهيوني الذي يشكل رأس الحربة في الحرب الأميركية المعلنة على إيران بسبب الملف النووي.
وبايدن لا يريد أن يخسر هذا الدور الوظيفي الذي تؤديه مملكة الرمال، وإنما في الواقع يريد استنزاف جيوب حكام آل سعود، ولكن من دون أي مقابل هذه المرة، فهو تحدث عن امتناع إدارته الاستمرار ببيع الأسلحة التي يوظفها النظام السعودي في حربه الغاشمة على الشعب اليمني.
إدارة بايدن زجت بعدة ملفات معا ليكون حجم حملة الابتزاز ذات مردود سياسي ومالي كبير جداً (ملف مقتل خاشقجي، وملف حقوق الإنسان المخزي للنظام السعودي، والحرب الإرهابية على اليمن، وثمة حديث عن عودة قانون جاستا الخاص بأحداث 11 أيلول إلى الواجهة مجدداً)، وكلها ملفات ثقيلة تضع النظام الوهابي في عنق الزجاجة، وترمي بمجملها لدفع هذا النظام نحو إشهار علاقاته المتجذرة مع الكيان الصهيوني إلى العلن تحت مسمى التطبيع، لتظهر هذه الإدارة بأنها أكثر التزاما من إدارة ترامب لجهة تحقيق المشروع الصهيوني الرامي لتصفية القضية الفلسطينية، وتكريس وجود هذا الكيان الغاصب في المنطقة وشرعنة احتلاله.
النظام السعودي معتاد على تلقي الإهانات الأميركية التي تصل إلى درجة الإذلال، وهذا ما يشجع إدارة بايدن على المضي بسياسة إذلال هذا النظام الذي لن يستطيع البقاء أسبوعاً واحداً من دون الحماية الأميركية، حسب ما أكده ترامب سابقاً، والكل بات يدرك بأن سياسة الإذلال تلك كانت قد بدأت منذ أن تأسست العلاقات بين واشنطن والنظام السعودي عام 1945على أساس (الحماية مقابل النفط)، وذلك في عهد الرئيس فرانكلين روزفلت وملك النظام السعودي حينها عبد العزيز آل سعود.
التصعيد الأميركي الجديد ضد النظام السعودي، لن يخرج بكل الأحوال عن سياق الاستهلاك الإعلامي، ولا شك انه سيتوج قريباً بصفقة مالية كبيرة تفوق ما حصل عليه ترامب سابقاً، وبايدن يحتاج لمن يمول فترته السياسية لأربع سنوات قادمة، وربما ثماني سنوات بحال نجاحه مجدداً بالفوز بولاية رئاسية أخرى، وبلاده رغم تقدمها العلمي والتقني تعاني عجزا كبيراً في مواجهة فيروس كورونا، وهو بحاجة لتقوية الاقتصاد المتهالك جراء الجائحة، والنفط السعودي قادر على سد أي فجوة تنخر بالاقتصاد الأميركي، ويبدو أن بايدن لن يترك البقرة الحلوب قبل أن يجف ضرعها تماماً.