الثورة أون لاين – هناء الدويري:
مشهد مؤلم وتوصيف مرير لوقائع فعلية انطلقت في كلّ الأوقات والاتجاهات، حرّكتها أيادٍ أوغلت في حقدها وغيّها وذهبت أبعد ما يمكن في سفك الدم السوري واستباحة كلّ ما فيه من بشر وحجر، أدوات إرهابية طفت على السطح ونفذّت أجندات الليبرالية بلبوس أخذ دوره كاملاً، تنظيم القاعدة الإرهابي “داعش” والتكفيريون الآخرون، وعباءات نفط ومريدون، وشركاء في الدعم والفبركة والتحريض والتجييش…
هذا الإرهاب البشع الذي انطلق لتدمير حياة السوريين وزعزعة مفاصل حياتهم وفكرهم وحضارتهم بذرائع ومبررات تخدم كلّ أشكال الليبرالية والتي لم ينته دورها بعد، إلّا أن سورية سحبت البساط والذرائع معاً، والأمور في النهاية مرهونة بخواتيمها.
فبأيّ ذريعة وبأيّ اتجاه يمكن تفسير هجوم “داعش” الإرهابي على مدينة تدمر الأثرية؟؟؟ وهل يمكن لنا أن نطوي صفحة النيّات التي ستبقى حاضرة في ذاكرتنا لاغتيال وإعدام الورود على مسرح تدمر التاريخي؟؟؟ والمجون الذي قابلت به عالم الآثار “خالد الأسعد”؟؟؟ ونحن قد خبرنا جهلهم ودمويتهم وسخف خطواتهم وأساليبهم، فالكنوز التي بحثوا عنها في تدمر بجهلهم وظلاميتهم لن يعرفوها يوماً رغم أنها ماثلة للعيان وتاريخها الذي يعود للنصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد يحكي عنها، ومدرجة على لائحة التراث الثقافي العالمي، لكنّ حساباتهم تنطق بالحقد الأعمى وسؤالهم الغبي مثلهم عن الكنوز يعمي بصرهم وبصيرتهم، فبعد صمود خالد الأسعد بين أيديهم الغادرة لسنتين قبل إعدامه يدركون بصمته أن الكنز حقيقة تاريخية سورية عمرها آلاف السنين وصعب أن يحملوها بطائرات مشغليهم إلى مصانع الليبرالية، فما كان منهم إلّا الهدم والتدمير الممنهج وسرقة ما يمكن حمله والغدر وذبح من كان أميناً على آثار وأرض الوطن.
لم يتجرّأ أحد على معبد بعل من بعد الرومان إلا “داعش” الإرهابية التي لا تعلم من هو بعل في حكايا وأساطير التاريخ والحضارات، وبناء مملكة زنوبيا “تدمر” التي حكمت الشام والعراق ومصر والحجاز قبل أربع مئة عام من الإسلام، ويأتي تنظيم داعش التكفيري الإرهابي الظلامي لتدمير مدينة تدمر حاضرة التاريخ باسم إسلامهم التكفيري فيدّمر في ٢٠١٥ معبدي بعل شمسين وبل، وفي ٢٠١٧ يلحقون أضراراً جسيمة بواجهة المسرح الروماني، ويدمرون التترابليون الأثري وهو عبارة عن ستة عشر عموداً أثرياً بينها واحد أصلي وخمسة عشر آخرين تمت إعادة ترميهم وتتضمن أجزاء من الأعمدة الأصلية، وقاموا بعمليات حفر وتنقيب بمعدات غربية من مشغلّيهم للبحث عن الكنوز الذهبية لتخريب ما بقى من آثار.
صمود أهل مدينة تدمر وفرسان الجيش السوري وطهر الدماء التي سالت لحفظ التراث الثقافي السوري وحفظ ربوع الوطن أحبطت فكر “داعش” الإرهابي التخريبي الممنهج وأحيت دماء الشهداء السوريين وشهداء الفكر التنويري “خالد الأسعد” أحيت المدينة العريقة من جديد وأعادت بعض الآثار التي حافظ عليها وخبّأها العاملون في مديرية آثار تدمر وسكان المدينة وبواسل الجيش السوري، أعادوا بعضاً من الآثار المتضررة وغير المتضررة التي تمّ نقلها إلى دمشق حفاظاً عليها بعد تحرير تدمر.
كان آخر ما قاله العالم الآثاري العالمي خالد الأسعد قبل استشهاده: “نخلات تدمر لا تنحني” وتدمر جزء لا يتجزأ من وطن كبير يحتضن الفكر والثقافة والحضارات ورسالته الإنسانية للعالم أننا يدٌّ واحدة تفكك الإرهاب وتشلّ اليد التي تدعمه وتجفف المنابع التي تمدّه، والسوريون شواهد على التاريخ الذي مضى والذي يمضي اليوم وسيمضي غداً.
السوريون وحدهم يعرفون قيمة أرضهم ووحدهَم يعرفون كيف يجيدون الدفاع عنها والحفاظ عليها، وكلّ إرهاب العالم وحقده لن ينال من عزيمة السوريين الذين يعيدون الحياة والألق لتدمر ولكلّ المناطق على امتداد الوطن وحصاد أيام النضال والمقاومة يكبر مع إعلان إفلاس الإرهاب وصُنّاع الليبرالية ووجوهها الخائنة الغادرة في البرلمانات الأممية والدولية وعبر القارات والمحيطات.