المرأةُ في قصائدهم.. وطنٌ ضفافهُ قوس حناء‎

الملحق الثقافي:‏‎الهام سلطان

يقول «جلال الدين الرومي»: «إنَّما المرأة منْ نُور الله، فهي ليستْ مجرَّد حبيبة، أو حتَّى مخلوقة، بلْ إنَّها خلاَّقة».
في هذا الشهر الذي تحكي فيه الأرض حكايتها، وتنثر ورودها، وتُخرج ما في جوفها من أطيابٍ وورودٍ، ترسم الربيع على عتباتها، ليلكة من ضوءٍ. في هذا الشَّهر، يروي الكون حكاية المرأة التي ترسم الكواكب والنجوم مسارات نورها، فيرتّل البخور طُهره، وتعزفُ السماء سيمفونية الفردوس.
نعم، هي المرأة التي تحتضنُ الكون، وتحيله إلى حياةٍ تنبضُ في روحها، فتسري إلى العالمِ علّه يصير أحلى وأنقى وأوفى.. المرأة التي تبدِّد البشاعة بالجمال وعذوبة الحياة والعطاء.. إنها عبق التاريخ والحضارة، وذاكرة للوردِ والعشق والقصائد الجميلة والعظيمة..
نعم، المرأة هي القصائد الجميلة لدى شعراءٍ عظماء.. شعراءٌ كان أشهرهم، وأشهر ما قالوه عنها في قصائدهم:
«سليمان العيسى».. هي الحياة كاملة
أعطى الشاعر الكبير «سليمان العيسى» المرأة، مكانة هامة ومميّزة في أشعاره، فقد رآها الحياة، ورأى بأن جمالها ليس فقط في شكلها، بل في فكرها وثقافتها وذوقها وأدبها وإنتاجها، قائلاً في ذلك: «المرأة هي الحياة الكاملة بالنسبة لي، وصورة للحياة بكل ألوانها ومفاهيمها، وفي مقدمة كتابه «المرأة في شعري»: يكتب:
هي الجمال في أحلى صوره، وأبدع تجلِّياته. هي نبضةُ الشّعر الأولى، مذ كان النبض وكان الشعر. هي التي وضعت الكلمة الجميلة على شفتي أول محبٍّ فأصبح شاعراً، وهي الطفلة التي كبرت ومازالت الطفولة والأطفال سرّها الأول، ونحن جميعاً أطفالها.. هي ملهِمة وملهَمة، وعاشقة ومعشوقة. هي شريكة حياة ورفيقة حياة. هي الحلم وهي الواقع في آن. هي القادرة على الحبِّ لأجل الحبِّ، وعلى العطاء لأجل العطاء. ليست ملاكاً ولا شيطاناً كما يزعمون. إنها الأنثى نصف كتاب الحياة..».
«نزار قباني».. بداية ونهاية التكوين
أيضاً، كان للمرأة لدى الشاعر «نزار قباني» مكانة خاصة ومتفرّدة وبارزة وجريئة وشاعرية في غالبية دواوينه. المرأة الأم والأخت والزوجة والحبيبة العاشقة. المرأة الذي عُرف بأنه شاعرها، لأنه كان يردد صدى روحه وقلبه وقصيدته من عالمها، ومن ثمَّ يدمج بين الأرض والوطن ووجه حبيبته، وهي كثيرة في أشعاره التي نختار منها:
جاء تشرين إن وجهكِ أحلى/ بكثيرٍ ما سـرُّه تشـرين؟/ إن أرض الجولان تشبه عينيكِ/ فماءٌ يجري.. ولـوز.. وتيـن/ مزِّقي يا دمشق خارطة الذلِّ/ وقولي للدَّهرِ كن فيكون/ استردَّت أيامها بك بدرٌ/ واستعادتْ شبابها حطين/ كتب الله أن تكوني دمشق/ بكِ يبدأ وينتهي التكوين/.
«محمود درويش».. المرأة كلّ الأشياء
كثير من الشعراء رسموا المرأة على شكل وطن، لكن الشاعر «محمود درويش» عمّق من عملية التماهي، وبلغ ذروتها حتى درجة التوحُّد، فقد قال:
«الأرضُ أمْ أنتِ عندي، أم أنتما توأمان؟/ من مدّ للشَّمسِ زندي، الأرض أم مقلتان؟/ سيان سيان/ إذا خسرتُ الصديقة فقدتُ طعم السنابل/ وإن فقدت الحديقة ضيَّعتُ عطر الجدائل/ وضاع حلم الحقيقة».
هكذا رسم «درويش» ملامح المرأة – الوطن في شعره. رسم ملامح المرأة المحبوبة دون أن تشعر بفرقٍ بينها وبين أرض الوطن.
«جميل حداد».. أمٌّ تُعطي ما ملكتْ
المرأة هي نصف المجتمع الذي لا يقوم إلّا فيها، وهي أساس صلاحه كاملاً، فهي من يربي ويعدُّ وينشئ نصفه الآخر، وهي أساس تطور الحضارات واستمرارها ونهوضها، وسبب ازدهار المجتمعات وقوّتها، فكيف يُهزم مجتمع تقف امرأة خلف كلّ رجل فيه، فتدفعه وتشجِّعه وتقويه على ما يواجهه من مشاكل؟.
إنه سبب انشغال الشاعر «جميل حداد» بالمرأة في ديوانه «البيادر»، ليكون انشغاله الأكبر، بالأم التي هي الأرض العطاء والحياة التي أنشدَ عيدها «عيد الولاء والمحبة»:
«فهي التي حملتْ أعباءَ مولدنا / وهي التي أرضعتنا وانتشتْ ظَفرا/ وهي التي تُعطي للأجيالِ ما ملكت/ وحبًّها أبداً يختال مُستعرا/ تُعطي بدون حسابٍ ملء طاقتها/ وتبذل الجهد مقروءاً ومستتراً/ طوبى لمن قال إن الأم مدرسة / تُعطي لأبنائها ما كان مبتكرا/ لله درّك يا أماه في غدِنا/ نمضي إليكِ فهات الحضن مدّخرا».
وتبقى المرأة حكاية الأرض والسماء، فلا يوجد مفردة في الكون تفيها حقها، فهي الأم والزوجة والأخت والصديقة.. هي «عشتار» المنجزة الأولى للرسالة الإلهية في بناء الانسان وإعمار الأرض، وفي «ملحمة جلجامش» ظهرت المرأة بصورة رمزية بالغة الروعة، فكانت مدخلاً إلى الحضارة من خلال انتقال «أنكيدو» الإنسان المتوحش، إلى المدنية بعد اتصاله بها، وحيازته على فنِّ الحياة والحكمة وسعة الفهم والحس.
هذا الدور الذي لعبته المرأة كمدخل للحضارة، ظهر خارج ملحمة جلجامش على امتداد تاريخ منطقتنا، فإذا كان «أنكيدو» قد حاز المدنية من خلال الأنثى، فإن شعوباً ومُدناً عاشت هذه التجربة، وهو ما نجده في أسطورة الأميرة «أوروبا» ابنة «أجينور» ملك صور، و«زنوبيا» ملكة تدمر التي حكمت الشرق والغرب. أيضاً، الملكة «ماوية» التي صنّفها التاريخ أعظم ملكة سورية بعد زنوبيا، والسيدة «مريم العذراء» أم السيد المسيح، وغيرهنّ كخولة والخنساء وجوليا دومنا التي تربعت على عرش روما..
اليوم، نرى المرأة السورية قصيدة لا يُعلى عليها بالكرامة والتضحية والوفاء، نراها قصيدة وطن، ضفافه قوس حناء..

التاريخ: الثلاثاء16-3-2021

رقم العدد :1037

 

آخر الأخبار
بعد توقف سنوات.. تجهيز بئر مياه تجمع «كوم الحجر» "موتوريكس إكسبو 2025" ينطلق الثلاثاء القادم رؤية وزارة التربية لتشريعات تواكب المرحلة وتدعم جودة التعليم العودة المُرّة.. خيام الأنقاض معاناة لا تنتهي لأهالي ريف إدلب الجنوبي منظمة "رحمة بلا حدود" تؤهل خمس مدارس في درعا مجلس مدينة سلمية.. مسؤوليات كبيرة و إمكانات محدودة إنقاذ طفل سقط في بئر مياه بجهود بطولية للدفاع المدني  المجموعات الخارجة عن القانون في السويداء تخرق وقف إطلاق النار هجمات " قسد " و" الهجري " .. هل هي صدفة  أم أجندة مرسومة؟! تجربة إقليمية رائدة لوفد من الاتصالات وحداثة النموذج الأردني في تنظيم قطاع الاتصالات والبريد  صعود الهجري وتعقيدات المشهد المحلي في السويداء.. قراءة في ملامح الانقسام والتحوّل  العائدون إلى ريف إدلب الجنوبي يطالبون بإعادة الإعمار وتأمين الخدمات الأساسية رغم التحديات الكبيرة.. انتخابات مجلس الشعب بوابةٌ للسلم الأهلي  اختيار الرئيس 70 عضواً هل يقود إلى ... صناعيون لـ"الثورة": دعم الصناعة الوطنية ليس ترفاً المجمع الإسعافي بمستشفى المواساة الجامعي .. 93 بالمئة إنجاز يترقب قراراً للانطلاق باحث اقتصادي يقترح إعداد خطط لتخفيض تكاليف حوامل الطاقة  حلب تضع خارطة طريق لتطوير البيئة الاستثمارية وتعزيز التنمية الاقتصادية اختتام امتحانات الثانوية العامة.. طلاب حلب بين الارتياح والترقّب  الثروة الحراجية في درعا.. جهود متواصلة تعوقها قلّة عدد العمال والآليات دعم الأميركيين لحرب إسرائيل على غزة يتراجع إلى أدنى مستوى