سفير الهند في دمشق في حوار مع “الثورة” : الهند تلعب دوراً هاماً في إعادة إعمار سورية بتوفير الدعم في مجال بناء القدرات ..
الثورة أون لاين – سعاد زاهر – أمل معروف :
سفير الهند في دمشق في حوار مع “الثورة”:صمدت علاقاتنا الثنائية رغم كل تحديات الأزمة ..
نؤسس حالياً مركز التميّزّ الهندي / السوري لتقانة المعلومات “الجيل الجديد” ..
سنكرر تجربة تركيب الأطراف الصناعية بعد نجاحها ..
بين ما حدث هنا في دمشق ، وما عشناه في الهند تستمر العلاقة السورية – الهندية على كل المستويات ، هي لا تؤسس بل تعمق ، وتفتح الأفق نحو مجالات جديدة .. علمية ، وتكنولوجية ، واقتصادية .. قدمها لنا سفير الهند في دمشق الدكتور حفظ الرحمن ، في لقاء خص به صحيفة الثورة حيث احتضنتنا سفارة الهند وسط دمشق ، والتي أصرت على أن يبقى صوتها عالياً طيلة السنوات العشر الماضية .. كأن الحضارة الهندية العريقة تصر على معانقة عراقة حضارتنا ..
* تحتفل الهند بالذكرى الخامسة والسبعين لاستقلالها .. أين تقف الهند اليوم بالنسبة لكل هذه المتغيرات التي تطرأ على مستوى العلاقات الدولية ؟.
الهند بلد حضاري عريق ، معروفة بثقافتها الواسعة وبراعتها في العلوم ، وتتميز بالتنوع في عاداتها وتقاليدها ، ولا تفارقها القيم الإنسانية النبيلة وبحثها المتجدد عن هوية إنسانية جامعة .
البشر من مختلف أنحاء العالم يأتون للهند ، لينهلوا من حكمتها التي لا تقدر بثمن ، وقد وصف الهنود ثقافتهم بأنها “ثقافة إنسانية” قوامها مبدأ “الوحدة في التنوع” باعتباره القانون الضمني للطبيعة والكون والحياة ، فالأشخاص مهما كان مستوى اختلافهم المجتمعي واللغوي يتعايشون بانسجام وسلام في الهند ، وبالتالي فإن روح التراث الثقافي للهند تكمن في حقيقة التقاء الأديان والتقاليد والعادات والمعتقدات .
نالت الهند استقلالها من الاستعمار البريطاني في عام 1947، وقد بدأنا باحتفال الهند بالذكرى “75” وستستمر لسنتين حتى 15 آب 2023 ، واليوم نعتز بأن الهند أكبر ديمقراطية برلمانية في العالم .
خلال العقود المنصرمة ، أحرزت الهند إنجازات هائلة في مجالات الحياة كافة ، فالاقتصاد في نمو والاندماج الإقليمي والدولي في ازدياد والتواصل الدبلوماسي في توسع ، ولازالت الهند تدعو إلى نظام ديمقراطي عالمي قائم على مبادئ وأسس تضمن المساواة لكافة الدول في العالم بصرف النظر عن مساحتها وعدد سكانها وقوتها العسكرية والاقتصادية .
إن الاعتماد على الذات أو الاكتفاء الذاتي في جميع نواحي الحياة رؤية رائدة لحكومتنا وشعبنا ، وخلال فترة الجائحة كوفيد 19 ، أثبتت الهند أنها قادرة على مواجهة الوضع الصعب ، كما يمنحها الاعتماد على الذات مرتكزاً مالياً للعديد من الشركات ويشجع رواد الأعمال على إنتاج الحد الأقصى من البضائع والخدمات داخل البلاد .
خلال هذا العام ، لم تبدأ الهند فقط أكبر حملة تطعيم محلية الصنع في العالم ، بل إنها في الواقع تقوم بتصدير اللقاح إلى مختلف الدول أيضا .
ومع شعار “الصوت المحلي” فإن إصدار العلامات التجارية المحلية والتصنيع وسلسلة التوريد ، كل ذلك سيعطي تعزيزاً كبيراً للاقتصاد الهندي .
العلاقات الثنائية متجذرة ومستمرة ..
* نود أن نسأل سعادة السفير عن تقييمكم لمستوى العلاقات الثنائية التي تجمع سورية والهند اليوم ؟.
العلاقة بين الهند وسورية ودية ومتينة وراسخة الجذور ، وامتد نطاق التعاون عبر الزمن إلى روابط اجتماعية وثقافية واقتصادية وعلمية وأكاديمية ، وفي التاريخ المعاصر شهدت الدولتان تبادلات ثنائية لعبت دوراً بارزاً في توثيق وتوسيع آفاق التعاون في مجالات مختلفة ، كما نرى زيارات عالية المستوى بين الدولتين منذ استقلالهما آخرها زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى نيودلهي في عام 2008 ، وزيارة رئيسة الجمهورية الهندية السيدة براتيبا باتل في عام 2010 إلى دمشق حيث تم توقيع العديد من اتفاقيات التعاون في مختلف المجالات بين الدولتين .
لقد صمدت العلاقات الثنائية لاختبار الزمن خلال سنوات الحرب العشر في سورية ، فبقيت سفارة الهند في دمشق حتى في ذروة الأزمة ، ولازالت تقدم الدعم اللازم في مجال تنمية الموارد البشرية وتكوين القدرات بتوفير المنح الدراسية والدورات التدريبية والمساعدات الإنسانية ، إضافة إلى تبادل الزيارات بين الدولتين على مستوى وزراء الخارجية ولقاءات ثنائية وزارية على هوامش اجتماعات المحافل والمنظمات الدولية .
والجدير بالذكر أن وزير الخارجية الهندي الدكتور جاي شنكر أج قد أكد على تعزيز التعاون بين البلدين الصديقين والعمل معاً من أجل مواجهة التحديات في مجال الصحة والتنمية البشرية وبناء القدرات .
و الممثل الدائم للهند لدى الأمم المتحدة يدعو إلى حماية سبل عيش الناس ..
* موقف الهند تجاه الحرب الإرهابية التي تعرضت لها سورية كان واضحاً .. سورية وكما تعلمون تتعرض لحرب اقتصادية غربية تستهدف لقمة السوريين ومواردهم وحقهم حتى الحصول على الدواء ، كيف تنظرون لهذه الإجراءات القسرية ، وكيف يمكن للهند مساعدة سورية في تجاوز آثار هذا الحصار الظالم ؟.
نحن ندرك بأن الصراع الذي دام عقداً من الزمن في سورية قد تسبب بضرر كبير في البنى التحتية والاقتصادية والخدمية ، وأخيراً انتشار كوفيد – 19 الذي أثرّ بشدة على الأوضاع الاجتماعية -الاقتصادية …
وفي هذا السياق تسعى الهند كدولة صديقة لسورية إلى المساهمة في عودة الأوضاع إلى طبيعتها وفي إعادة بناء البلاد من خلال دعمها الإنساني وتنمية الموارد البشرية على المستوى الثنائي .
لقد قدمت حكومة الهند هدية إنسانية متواضعة للشعب السوري الصديق من خلال شحنة من المساعدة الطبية البالغ وزنها 10 أطنان في تموز 2020 .
وكلنا على علم أن العالم بأسره يمر بمرحلة صعبة بسبب الأزمة الصحية الناتجة من جائحة كورونا ، وعلينا أن نبذل جهوداً مكثفة ومشتركة من أجل احتواء هذا الوباء ، وقد أكدت الجهات السورية المعنية بأن المساعدة الطبية الهندية ساهمت في إنجاح جهود الحكومة السورية للتخفيف من هذه الأزمة .
كما وصلت أخيراً في شباط 2021 شحنات (ب2000 – ألفين طن) من الأرز الهندي إلى مرفأ اللاذقية كهدية من حكومة وشعب الهند إلى الشعب السوري ..
أيضاً .. بداية العام الماضي ، قام فريق من الاختصاصيين المحترفين من الهند بزيارة دمشق وبتركيب أطراف اصطناعية لأكثر من 500 من الأخوة والأخوات السوريين كمساعدة إنسانية من قبل حكومة الهند إلى الشعب السوري الصديق وذلك احتفالاً بالذكرى 150 لميلاد المهاتما غاندي الأب الروحي للهند ورمز الإنسانية والحب والسلام للعالم كله ، وتجسيداً لعلاقة الصداقة العميقة والمتأصلة في جذور التاريخ التي تربط الهند والجمهورية العربية السورية وفي إطار التعاون الوثيق بين البلدين .
هنا أود الحديث عن تجربة تركيب الأطراف الصناعية في سورية التي نالت نجاحاً ملموساً وتقديراً من القيادة والشعب السوري ، ونعمل حالياً على تكرارها خلال الأشهر القادمة ، وسبق أن قدمت حكومة الهند في عامي 2018 – 2019 منحة دراسية تحت برنامج “الدراسة في الهند” وقد استفاد منها حوالي ألف طالب وطالبة من سورية في كافة المجالات الدراسية من الاقتصاد والإدارة والعلوم والتكنولوجيا واللغة والآداب الانكليزية في أشهر الجامعات والكليات الهندية على مستوى الدراسة الجامعية والماجستير والدكتوراه .
كما يوفر المجلس الهندي للعلاقات الثقافية منحاً دراسية سنوية في كافة المجالات التعليمية للطلاب والباحثين السوريين في ميادين الثقافة والموسيقا والرقص واللغات والآداب والعلوم والتكنولوجيا وما إلى ذلك على مستوى شهادة الماجستير والدكتوراه في أشهر الجامعات الهندية .. وقد تخرج عدد كبير من السوريين في الأعوام المنصرمة منذ أكثر من أربعة عقود .
وإضافة إلى ذلك ، تقدم حكومة الهند لسورية الصديقة كل سنة (100) منحة تدريبية قصيرة المدى من شهر إلى ستة أشهر وهي للموظفين والمديرين في مختلف الوزارات والمؤسسات والمعاهد السورية تحت برنامج التعاون الفني والاقتصادي الهندي التابع لوزارة الشؤون الخارجية الهندية منذ أكثر من 55 سنة .
وعلى المستوى الدولي أيضاً ، لازال الممثل الدائم للهند لدى الأمم المتحدة يدعو المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدة لسورية في إعادة بناء بنيتها التحتية وحماية سبل عيش الناس ومكافحة فيروس كورونا ، وعبّر عن شعوره بالقلق إزاء كل هؤلاء السوريين الذين يعانون من أوضاع هشة وأكد على أهمية السماح بالمساعدات الإنسانية دون عوائق وفقاً للمبادئ الإنسانية للأمم المتحدة وإعادة إعمار سورية .
وهذا من شأنه أن يهيئ الظروف لعودة آمنة وطوعية وكريمة للاجئين السوريين والنازحين داخلياً إلى أماكن إقامتهم الدائمة ، وهذا سيساهم بشكل كبير في تحقيق الاستقرار والأمن على المدى الطويل في سورية .
* في لقاء سابق تحدثنا عن اجتماع لجنة العمل المشتركة الهندية – السورية ، أين أصبحت التحضيرات لعقد هذه اللجنة أعمالها ؟.
فيما يخص اجتماع لجنة العمل المشتركة بين الهند وسورية ، فلازالت تتأخر بسبب جائحة كورونا ، ويعمل الجانبان على عقده بأسرع وقت ممكن وتوقيع عدد من اتفاقيات التعاون في مجالات مختلفة ، وفي فترة الجائحة قمنا بعقد اجتماع افتراضي في أيلول 2020 بين وزير الدولة للشؤون الخارجية السيد فيموراليد هاران ونائب وزير الخارجية والمغتربين للجمهورية العربية السورية آنذاك (حاليا وزير الخارجية والمغتربين) الدكتور فيصل مقداد ، وقد أتاح الاجتماع فرصة استعراض شامل للعلاقات الثنائية ، ورسم خريطة الطريق لتعزيز التعاون في مجالات ذات اهتمام مشترك بين البلدين .
واتفق الجانبان على زيادة التعاون في مجال بناء القدرات والمساعدات التنموية ، و زيادة المنح التدريبية تحت برنامج التعاون الاقتصادي والتقني الهندي من (90 إلى 150) منحة سنوياً ، واستمرار التدريب السنوي للدبلوماسيين السوريين وسبق أن شارك 80 دبلوماسياً سورياً في برنامج تدريبي في الهند خلال السنوات الثلاثة المنصرمة .
حالياً نعمل على عقد دورة تدريبية مخصصة ل20 من كبار الموظفين والمديرين السوريين في مجال الإدارة العامة والحكومة الالكترونية في الهند في شهر نيسان – أيار هذا العام ، وهناك برامج تنموية أخرى قيد الدراسة .
أرسلت الهند 58 مليون لقاح إلى 64 دولة صديقة ..
* سبق للهند وقدمت مجموعة من المساعدات كان آخرها شحنة المساعدات الطبية التي هدفت لمساعدة سورية على تجاوز آثار تفشي فيروس “كورونا” .. هل من خطوات هندية منتظرة في هذا الإطار ؟ .
تؤمن الهند برفاهية البشرية جمعاء ، والآن وقد طورت الهند لقاحها الخاص ، فإن العالم ينظر إلى الهند بأمل وترقب ، ومع تقدم حملة اللقاحات في الهند ، وبسبب قوتها في مجالات الأدوية الحيوية واللقاحات ، تعتبر الهند واحدة من المراكز الرئيسية في الجهود ذات الصلة لمكافحة الوباء ، وسيستفيد العديد من بلدان العالم من تجاربنا ، وكما قال رئيس وزراء الهند السيد ناريندرا مودي : “نحن ملتزمون بأن تخدم لقاحات الهند وقدرتنا الإنتاجية مصلحة البشرية جمعاء” .
وفيما يخص بلقاح 19-COVID فتشارك حوالي 30 مجموعة عبر الأوساط الأكاديمية والصناعية بنشاط في التطوير والتعاون والتطوير المشترك والتجارب للقاحات كوفيد-19 في الهند ، وتوجد 6 لقاحات مرشحة ، بما في ذلك 3 لقاحات مطوّرة محلياً هي في مراحل التطوير السريرية و3 لقاحات مرشحة أخرى هي في مرحلة متقدمة من التطوير قبل السريري ، والعديد من اللقاحات الأخرى هي في مراحل مبكرة ما قبل التطوير ، وحصل لقاحان على تصريح للاستخدام في حالات الطوارئ في الثاني من كانون الثاني لعام 2021 ، ويتم حالياً توزيع أحدهما “أسترا زينيكا” ) AstraZeneca-Oxford-Serum Institute) في أكبر برنامج لقاح كوفيد في العالم .
ومع انطلاق حملة التطعيم منذ منتصف كانون الثاني 2021 داخل البلاد كأكبر حملة للقاح في العالم ، بدأت وزارة الشؤون الخارجية الهندية أيضا بتقديم اللقاحات إلى الدول الصديقة كمساعدة إنسانية وعلى أسس تجارية ، و قامت حكومة الهند إلى الآن بإرسال 58 مليون لقاح إلى 64 دولة صديقة .
كما عبَّر ممثل الهند الدائم لدى الأمم المتحدة أمام أعضاء مجلس الأمن في العاشر من آذار 2021 عن استعداده للعمل مع وكالات الإغاثة الإنسانية بقيادة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانيةOCHA) ) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) لوضع برنامج إغاثي لسورية ولغرب آسيا من أجل مكافحة كورونا .
توفير الدعم في مجال بناء القدرات وتكوين الكوادر .
* كيف تنظرون لمستقبل العلاقات الثنائية بين بلدينا في المرحلة القادمة ؟.
العلاقات بين الهند وسورية متأصلة الجذور ومتينة ولها مستقبل واعد على المستوى الشعبي والحكومي ، وهذا يتضح مما سبق ذكره موجزاً في هذا الحوار . وأود التأكيد على أن الهند ، منذ اندلاع الصراع في سورية في عام 2011 ، ما زالت تدعو لإيجاد حلّ شامل وسلميّ .. مؤكدة على سيادة سورية ، مع الأخذ بعين الاعتبار تطلعات الشعب السوري والحفاظ على سيادة وسلامة ووحدة الأراضي السورية .
كما أن الهند تلعب دورها في إعادة إعمار سورية بتوفير الدعم في مجال بناء القدرات وتكوين الكوادر .
وأود أن أركز على أن بناء القدرات والمساعدات التقنية يشكل جزءاً هاماً من برنامج شراكة الهند الإنمائية ، حيث تقدم حكومة الهند في هذا المجال الدعم لبناء القدرات للدول الصديقة والشريكة في مجالات عديدة منها : برامج التدريب المدني والتقني والعسكري في المعاهد الهندية ، بالإضافة إلى التدريب الميداني في الخارج ، وإيفاد الخبراء الهنود إلى دول شريكة ، وإنشاء مراكز التدريب المهني ومراكز التميز في مجال تكنولوجيا المعلومات ، وتحت هذا البرنامج سنقوم بتأسيس مركز التميّزّ الهندي – السوري لتقانة المعلومات – الجيل الجديد – بدمشق ، وقد تم شحن المعدات والتجهيزات اللازمة للمركز من الهند والتي ستصل إلى دمشق خلال أسبوع .
ضمن إطار المشروع ، سيتم تدريب ستة أساتذة في الهند وقد تم تدريب ثلاثة منهم مسبقاً ، وسيتم تدريب الثلاثة المتبقين في الشهور القادمة ، وسيقوم هؤلاء المُدرِّبون الأساتذة بإجراء تدريب في مركز الجيل الجديد (NexGen) تحت الدعم الإرشادي اللازم من مدرّبي مركز تطوير الحوسبة المتقدمة الهندي .
كما سيتزوّد مركز الجيل الجديد بأحدث بنية تحتية لتكنولوجيا المعلومات والتي ستمتلك معايير عالية لضمان سلامة ووظائف عمل بيئتها الحاسوبية المستضافة ، كما أن المركز سيقوم بإنتاج رأس مال بشري ذي قيمة مضافة للأمن السيبراني ، وأبحاث لتكنولوجيا المعلومات وتطوير البرمجيات ، ويوفر فرص عمل للقوى العاملة المؤهلة والمدربة في تكنولوجيا المعلومات.
تصوير: زياد فلاح