الثورة أون لاين – لميس عودة:
كما أثبتت الدولة السورية قدرتها النوعية على التصدي لعواصف الإرهاب، وجبهاته العديدة التي فتحت على اتساع خريطتها المقاومة لتشتيت إمكاناتها وإنهاك جيشها، ومزقت خيوط التآمر الرامية إلى قطع جسور التلاقي الوطيد على ضفاف الوطنية والانتماء بين أبنائها، وقطعت أشواطاً كبيرة في التحرير، وسيج بواسل جيشها المدن والبلدات التي تم استعادتها بعد دحر الإرهاب من جنباتها بسياج وطني متين، فإنها خاضت غمار السياسة باقتدار وبحكمة نوعية مشهود لها بعراقتها التليدة على مر التاريخ السوري المجيد والمقاوم لكل أشكال التبعية والارتهان والإملاءات، فقد قادت باقتدار ومسؤولية وطنية دفة السياسة وفق بوصلة ثوابتها في صون وحدة وترابط جغرافيتها وحقها المشروع في دحر الإرهاب ومشغليه عن ترابها الوطني، إضافة إلى استقلالية قراراتها غير القابلة للمساومات أو المقايضات وكرستها كخطوط حمر غير قابلة للتجاوز في أي ملتقى أو مؤتمر أو لقاء إقليمي يعنى بالشأن السوري أو يدعي محاولة إيجاد حلول للأزمة المفتعلة في سورية.
فسورية لم تقاطع يوماً أي مؤتمرات أو لقاءات تناقش الأزمة في سورية, حتى تلك التي ترعاها الدول الداعمة للإرهاب, وهي من باب الحرص الكبير والمصلحة الوطنية العليا طرقت أبواب التسوية السياسية مرات عديدة, وانطلاقاً من مسؤوليتها الوطنية لم تأل جهداً في التقاط أي إشارات ترى فيها بواعث أمل لانفراجة مأمولة للحل في سورية والبحث عن حلول توقف الحرب الإرهابية التي تستهدف الشعب السوري, رغم إدراكها المسبق أن ما تسمى “معارضات” مأجورة وتدار بأزرار صنّاعها ومستخدميها ومموليها لا انتماء وطنياً لها ولا رغبة حقيقية لمشغليها في تطويق دائرة الحرب المفتعلة.
تعددت المؤتمرات ومنصات الحوار والمفاوضات التي تبحث في الشأن السوري، وكثرت جولاتها التفاوضية من جنيف إلى فيينا، وجميعها لم يكن غايته إيجاد مخارج موضوعية للأزمة في سورية ترأب الصدع الذي أحدثه مستثمرو الفتن وصناع الحروب، إذ كيف لرعاة هذه المحافل أن يبحثوا عن سبل خلاص للسوريين من حرب هم أنفسهم من شنّها عليهم، وكل ما أُدرج من طروحات على طاولات هذه المؤتمرات كان ملغماً بأجندات رعاة الحرب الإرهابية ومفخخاً بالتعطيل، ولم يكن يبحث عن اجتراح حلول لإطفاء نار الحرب المعلنة على الدولة السورية بكل مقومات وجودها، بل حمل في أجنداته سموم التقسيم والتفتيت وتكريس واقع الاقتتال برؤية تآمرية تنفيذاً للمصلحة الاستعمارية الكبرى التي أُعلنت لأجلها الحرب الإرهابية الشرسة على سورية على مدار عشرة أعوام وبتواطؤ دولي وإقليمي مفضوح.
في مؤتمر فيينا وفي جنيف بكل جولات التفاوض كانت الدولة السورية وما زالت على قدر المسؤولية الوطنية ولم تأل جهداً لتفكيك مفخخات التعطيل التي يتم حشوها بسموم الحلول المعدة من قبل صناع الحرب الإرهابية، وحاولت مراراً تقريب وجهات النظر مع من يسمون أنفسهم “معارضات” مرتزقة مأجورة لا حس ولا انتماء وطنياً لها، وسعت كثيراً لإعادتهم إلى جادة الصواب الوطني، إلا أن المراوحات الغبية لأولئك في دائرة التبعية والارتهان المذل لمشغليهم بقي يوشح مشهد اللقاءات ويخيم على طروحاتهم اللا وطنية التي ترمي إلى تنفيذ أجندات أعداء الشعب السوري، وإفراغ القرار الوطني من جوهره السيادي، ففي مشاهد لقاءات جنيف كاملة بقي بارزاً الاستباق الممجوج للطروحات الغبية من قبل ما تسمى بـ”المعارضات” تنفيذاً لما يملى عليها من قبل مشغليها، الأمر الذي وضع تلالاً من العراقيل أمام التوصل لحل سياسي ينهي معاناة السوريين.
في سوتشي اختلف المشهد بتوصيفاته، مكتسباً فرادة خصوصيته من كونه عُقد بلا مظلات غربية مشبوهة, بالرغم من سموم واشنطن وأنظمة إقليمية التي نُفثت لتعكير جو اللقاء السوري, الأمر الذي تبدى في انسحاب ما يسمى “المعارضات” عديمة الحس الوطني والغارقة في عمالتها لأعداء سورية حتى أذني إرهابها.
فعلى ناصية مشهد سوتشي نجد واشنطن التي تم تهميشها وإقصاؤها عن مشهدية الحوار السوري بعد أن ثبت بالتجربة دورها المعطل، قد حبست أنفاسها وهي تترقب ما سيؤول إليه حال المجتمعين، وابتلعت ريق تخوفاتها مرات ومرات خشية من اتفاق قد يكون وشيكاً على خطوات سورية مشتركة في طريق الحلول السياسية.
أميركا استبقت الملتقى السوري في سوتشي بإشعال جبهة الشمال وصبت الزيت على حطب الطمع التركي ونفخت في الوقت نفسه في قربة الفدرلة المثقوبة, وعولت عبثياً على إفشال المؤتمر بتعطيل مبتغى ومراد حدوثه بعد أن أرسلت سمومه مع شرذمة “معارضات” لا تملك من قرارها شيئاً ولم يهمها يوماً أن ترتمي في أحضان أعداء سورية فتنقلت كألعوبة من يد رعاة الإرهاب المتصهينين إلى أعراب الخليج الحاقدين طالما أن هناك من يدفع لها ثمن خياناتها حتى وإن دفع بها مشغلوها بعد انتهاء مهامها التخريبية إلى الجحيم فيما بعد، فهذه “المعارضات” لم تزل تراوح في دائرة حماقات طروحاتها وفي كل مرة تظهر شرذمتها وعجزها على أقل تقدير عن تقديم ورقة موضوعية تستحق الحوار للتوصل لحلول سياسية.
تتغير المؤتمرات في أزمنتها وأمكنتها من جنيف إلى آستنة, وثوابت الدولة السورية لا تتغير, وخطوطها الحمر في وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم والسيادة المطلقة هي نفسها في كل مؤتمر أو لقاء دولي يناقش الشأن السوري، وبأن لا ارتهان لأجندات خارجية ولا مساومة على الحقوق ومشروعية محاربة الإرهاب كأولويات أساسية في أي حلول يجري تعويمها على سطح الدبلوماسية الدولية، والتسويق لها عبر المنابر الأممية، في مقابل حالة من التشرذم والتخبط وتعدد الولاءات ما زالت تلازم ما تسمى “المعارضة” جلية بتبعيتها وارتهانها الكامل لقوى إقليمية ودولية لها مآربها المفضوحة في تدمير سورية وتفتيتها.
وحده الميدان السوري بإنجازاته النوعية وما أفضت إليه الاستراتيجية الصائبة والتكتيك الذكي لسورية في خوض غمار معاركه من رسم آفاق المرحلة الراهنة من مؤتمرات الحوار السوري وفتح أبواب الحلول السياسية في سوتشي وقبلها “آستنة”, مشكلاً منعطفاً نوعياً في طريقة وأسلوب التعاطي الدولي مع الدولة السورية فارداً أوراق قوة صمود وثبات الدولة السورية على طاولات الحوار بعد رهانات عبثية ومقامرات غبية على استنزافها بسنوات عشر من حرب شرسة شُنت عليها, ووحدها خطوات الجيش العربي السوري المظفرة بالنصر أينما حلت من ترسم ملامح المراحل القادمة وتصوغ أي سيناريوهات لحلول سياسية نهائية.