الثورة أون لاين – ناصر منذر:
“ينبغي أن تتعاطى مع موظفيك بطريقة أحسن، بدلاً من إهانتهم، وتحقيرهم، وتهديدهم بالفصل التعسفي وإذلالهم، كل إنسان له كبرياؤه وكرامته، ولم أستطع تحمل هذا الكم من الإهانات”، بهذه الرسالة البليغة، اختزل الضابط محمد علي بولوت الحارس الشخصي لرئيس النظام التركي رجب أردوغان، قبل أن يقدم على الانتحار، بشاعة الممارسات القمعية التي يمارسها هذا النظام تجاه شعبه، حتى المقربين من رأس هذا النظام الديكتاتوري ليسوا بمنأى عن سياسة الإهانات والإذلال التي يمارسها أردوغان بحق مواطنيه، وباعتبار الضابط المنتحر حارساً شخصياً فهذا يشير إلى أن أردوغان نفسه من وجه إليه هذه الإهانات التي لم يتحملها، ومعروف عن أردوغان أنه شخصية نرجسية تحكمها نزعة الترهيب في التعامل مع محيطيه في القصر العاجي الذي بناه مؤخراً على حساب قوت الشعب التركي.
منذ مجيء أردوغان إلى السلطة على أكتاف أصدقائه في حزب العدالة والتنمية، حول بلاده إلى جحيم لا يطاق العيش فيها بحسب تأكيد الكثير من المسؤولين الأتراك، حيث القمع والسجن والإعدام ينتظر كل من ينتقد سياساته الديكتاتورية، الأمر الذي جعل كثيراً من الأتراك يهربون من جحيم هذا المستبد إلى الموت، والعديد من وسائل الإعلام المعارضة سبق وأن كشفت الوجه البشع لسياسة “العدالة والتنمية” تجاه المواطنين القائمة على توجيه الاتهامات الباطلة لكل من يعارض سياسة الحزب الحاكم، أو يوجه مجرد انتقاد لرأس النظام، وأشارت أيضاً إلى مدى المعاناة والظلم التي يعيشها الأتراك في عهد أردوغان، فباتوا يفضلون الهروب من بلادهم على البقاء فيها، ولكن أجهزة استخبارات أردوغان سرعان ما تختطفهم في الدول التي لجؤوا إليها وتعيدهم قسراً لملاقاة مصيرهم في السجون المظلمة التي يزجون بها.
مشاهد القمع والترهيب بحق الأتراك لم تزل فصولها تتوالى منذ مسرحية انقلاب 2016 التي دبرها أردوغان نفسه ليحكم قبضته على البلاد، فبات آلاف الأتراك وراء القضبان بتهم ملفقة، وتم طرد مئات الآلاف من وظائفهم الحكومية، وتجاوزت حملة القمع جميع الخطوط الحمر، لتستهدف إسكات كل من يعارض أردوغان أو كل من يفكر حتى في انتقاده، فتحت ذريعة الانقلاب المزعوم تمت تصفية معظم المعارضين لحكم أردوغان، وملاحقة منتقديه، وتضييق الخناق على الشعب، لتدخل تركيا بعد ذلك مرحلة الحكم الفاشي، على حد وصف الكثير من الأحزاب المعارضة داخل تركيا.
وسبق لوزير داخلية النظام التركي سليمان صويلو، أن أعلن حصيلة عمليات الملاحقة بحق المعارضين منذ محاولة الانقلاب، مشيراً إلى أنها طالت نحو 600 ألف شخص، واعترف بأنه تم شن أكثر من 99 ألف حملة أمنية، واحتجاز وتوقيف أكثر من 282 ألف شخص بتهم الارتباط بالانقلاب.
عملية انتحار الضابط بولوت بسبب الإهانة والقهر التي يعيشها الأتراك ليست الوحيدة، حيث إن مثل هذه الحالات تتزايد بشكل كبير ومخيف وتقدر بالمئات سنوياً ويقدم عليها ضباط ورجال أمن وأطباء ومهندسين وعمال، ما يعني أن الظاهرة باتت عامة، تشمل مختلف شرائح وقطاعات المجتمع في تركيا، ما يلقي الضوء على حجم الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي يرتكبها نظام أردوغان، ما يجعله من هذا النظام المستبد خارج القوانين الشرعية والأخلاقية والإنسانية.