الثورة أون لاين – ريم صالح:
ما الذي نعرفه عن مصطلح الليبرالية الحديثة؟، هل لها حقاً تأثيرات إيجابية على الناس؟، أم إنها مجرد شعارات براقة تخفي تحت أقنعتها الكثير من الأشياء السلبية؟، أو هي مجرد ستار طرحه البعض من أجل التغلغل في شؤون منطقتنا ومجتمعاتنا، وتقرير مصير شعوبها بصورة خفية، وغير معلنة؟، وماذا عن أولئك الذين ينادون بشعاراتها؟ هل يدركون فعلاً ماهيتها ووجهها الحقيقي، وما الذي يمكن أن تتركه في مجتمعاتنا؟، ثم هل الليبراليون يملكون مشروعاً جاداً وحقيقياً للنهضة ورؤية ناضجة للإصلاح كما يدعون؟.
كثيرة هي الدراسات والأبحاث التي تناولت مصطلح “الليبرالية الحديثة”، أو ما يعرف ب”النيو ليبرالية”، والحقيقة أن كل هذه التقارير خلصت إلى أن “الليبرالية الحديثة” كانت مسؤولة بصفة رئيسية عن الخراب والدمار الذي لحق بالعديد من المجتمعات الغربية والعربية على حد سواء.
وبحسب ما ذكره الكاتب البريطاني مون بيوت فإن “الليبرالية الجديدة” لعبت دوراً رئيسياً في مجموعة من الأزمات منها على سبيل الذكر لا الحصر، الانهيار المالي الذي حدث في عام 2007، وانتشار مراكز “الاوفشور” المالية التي يخفي فيها الأثرياء أموالهم بعيداً عن سلطات الضرائب، والانهيار البطيء في قطاعات الصحة والتعليم، وزيادة الفقر، وانتشار الأمراض النفسية، وانهيار النظم البيئية، كما أن هذا النظام الليبرالي قد قاد العالم إلى كارثة الكساد العظيم عام 1929، وأوضح الكاتب البريطاني أن عدم معرفة الناس باسم هذا النظام وحقيقته أحد أعراض وأسباب قوته حتى الآن.
أما الكاتب بول هيجي في كتابه (ماذا عني) فقد خلص إلى أن هذا النظام أدى لانتشار كثير من الأمراض مثل اضطراب الأكل، والاكتئاب والشعور بالوحدة، والقلق الدائم من فقدان العمل حيث أنه في عالم الليبرالية عادة ما يتم تعريف الفقراء بالضرورة على أنهم فاشلون.
مخاطر “الليبرالية الحديثة” إذاً لا تعرف حدوداً لتقف عندها، بل هي تطال كل الجوانب الاقتصادية، والنفسية، والصحية، وحتى السياسية، والقومية، للمجتمعات والأفراد وتحديداً العمال، وكله طبعاً لصالح فئة قليلة من الناس، وعلى حساب السواد الأعظم من المجتمع.
ولكن قد يتساءل سائل كيف يمكن “لليبرالية الحديثة” أن تهدم المجتمع؟، الجواب بسيط حيث إنها باعتبارها تشرعن سطوة الفرد، وتحرره على حد تعبيرها من كل الأعراف الإنسانية والأخلاقية، وحتى الشرائع والديانات السماوية، وكله لتحقيق مصالحه الفردية الضيقة، فإنها تطلق له العنان لأنانيته، ليكون المفهوم السائد بحسب هذا المذهب الليبرالي هو الغاية تبرر الوسيلة، مهما كانت دنيئة أو قذرة أو لا إنسانية.
ففي مجتمع تسوده “الليبرالية الحديثة” لا أهمية تذكر لمصطلحات ومفاهيم مثل الأمن الوطني، أو الأمن القومي، أو ما يحتاجه الفقراء، أو حتى تكريس العدالة بين الناس، فالمهم أولاً وأخيراً ملء الجيوب، وعقد الصفقات، ولو كان ذلك على حساب سيادة واستقلال وطن بأسره.
المؤكد لنا جميعاً أن “الليبرالية الحديثة” أدت بشكل أو بآخر إلى مسخ هوية المجتمع وتشويهها، وتكريس الأنانية، وجعلت الإنسان عبداً للمال، وبعيداً كل البعد عن كل القيم والأعراف الأخلاقية، فضلاً عن كونها سعت وبشتى السبل لتلميع الفكر الغربي، واستنساخه من دون وعي، لتجعل المجتمعات العربية تابعة ورهينة لقوى الاستكبار العالمي.
هي “الليبرالية الحديثة” إذاً بكل ما فيها من عورات تغدو اليوم ثقافة سائدة في كثير من المجتمعات، حيث لا عدالة ولا مساواة، فقط الجشع والأنانية هما سيدا الموقف، وهي ما يريده من يطرح هذا المفهوم، وبعد ذلك كله هل اتضحت الصورة، أم إننا بحاجة إلى المزيد من الإيضاح؟.
