التسوُّل.. صورة للفقر.. أم آفة اجتماعية .. إجراءات علاجية خجولة للشؤون الاجتماعية والعمل .. افتتاح مكتب لمكافحة التسول والتشرد بريف دمشق وآخر بدمشق قريباً
الثورة أون لاين: التسول ظاهرة اجتماعية خطيرة.. ومهنة أزلية تنتشر في معظم أصقاع العالم.. وتعاني منها كافة الشعوب.. وإن كانت بنسب متفاوتة وحسب الظروف الموضوعية لكل منطقة ووفق خصوصية كل بلد.. يعاني منها الفرد والمجتمع وتعكس العديد من السلبيات في أي مكان تتواجد فيه. وتعد التجمعات السكانية الضخمة والأسواق مرتعاً خصباً لنمو ظاهرة التسول وتزداد أبعاده وأساليبه خطورة يوماً بعد آخر… مع ماتحمله الظاهرة من أمراض تؤدي إلى الانحراف والجنوح في عالم الجريمة والفساد وغيرها. ومن مظاهر التسول من امتهنه بالتواتر أباً عن جد كأولئك المتجولين دون عنوان ثابت. يقصدون البيوت والمارة ويبرعون في فن الاستقطاب لأن مهنتهم مصدر رزقهم الحقيقي ولايحسون بأي انتقاص وهناك المشردون الذين عرّفهم القانون بالأصحاء لكن لاسكن لهم ولا وسيلة يعتاشون منها لايملكون أي روابط أسرية ويكسبون بالتسول ويشكلون خطورة اجتماعية وهناك الأحداث ضحايا الأمراض الاجتماعية والذين قذف بهم أهلهم إلى قارعة الطريق.ووجد من يستثمر هؤلاء بهدف الكسب من ورائهم لقاء أجر يومي بغرض المنفعة والثراء السريع.
مع الإشارة إلى أن ليس معظم المتسولين بحاجة للمساعدة وإنما غدت مهنة التسول عادة مكتسبة لديهم ليس من السهل الاقلاع عنها.
س- طفل من الأطفال ابن ال 12 عاماً يمشي حافياً في شوارع الصالحية آملاً أن يأتي أحدهم ويتبرع له بحذاء.. الحقيقة حالته تؤلم، أقدام متسخة المظهر متجمدة من البرد والغاية حذاء ولكن المفارقة أين؟ أنه يقف على باب أحد بائعي الأحذية وكلما صرخ منادياً أريد حذاء اتجه إلى ذلك المحل واشترى له المتبرع حذاء؟
وعلى باب أحد المولات التجارية وبينما كان أبناء الطبقة الراقية يخرجون من المول وكل غارق بأكياسه المحملة بجميع ماتتطلبه حاجيات الطفولة وأبسطها لعبة كان سمير وهو طفل في السادسة من العمر لايعرف عن هذه الحياة سوى أنه سيمر بعدة مراحل وترقيات.
ولعل أول مراحل حياته كانت على حضن أمه في أحد الشوارع وهو بطفولته بمثابة المصيبة التي حلت على هذه الأم وتستحق لتحملها الصدقة.
وبعد أن كبر قليلاً في العمر تم تسليمه ميزاناً ينتظر بجانبه أي إنسان يريد أن يقيس وزنه بخمس ليرات إما على جسر فكتوريا أو حتى في أحد شوارع دمشق ماالفرق فالميزان بجانبه وليت العدل فيه.
أنا ماعم اشحد
أما إحدى الحالات التي لااستطيع نسيانها وهي حالة الطفل الذي يبيع علب العلكة على باب أحد المولات والذي أعطته إحدى السيدات مبلغاً صغيراً من المال ولم تشترِ العلكة.
فألح عليها أن تشتري وإلا لن يأخذ المبلغ فقالت له لاأريد… بعها لأي شخص فصرخ في وجهها صرخة باكية بغصة الكبرياء (أنا ماعم اشحد).
فعلاً هذا الطفل لايشحد ولكنه بشكل أو بآخر يشحد؟
يشحد قليلاً من الاهتمام من أسرته ومن مجتمعه الذي لايمكن أن يستوعب وجوده على أرصفة الشوارع وفي الوقت نفسه يحكمه بظروف من غير الممكن أن تسكنه خارج هذه الأرصفة.أما الطفل المعروف بين هؤلاء فهو /ح/ المسيطر على ساحة باب توما وتعرفه جميع المحال هناك وهو لايبخل بقصصه ومعاناته التي مر بها على أحد ولكنها بنظره حياته التي لايعرف إلا أن يعيشها هكذا فهو يعرف أن والده تركه وأخيه لأم لاتملك شيئاً في هذه الحياة فلم تجد إلا بسطة صغيرة تعيش منها مع أولادها ولكن البلدية أخذت منها البسطة أكثر من مرة فاضطرت لأن ترسل ولديها /ح/ و/ه/ لكي يخوضوا معركة البقاء.
يبدأ دوامه في الساعة الثامنة ويعود لمنزله في الساعة الرابعة صباحا دخله اليومي لايقل عن 4000 ليرة ومع ذلك كل ليرة تدخل إلى مطمورته التي أهدته إياها الحياة يعرف هو ويعرف مجتمعه جيداً أنها ستكسر في يوم من الأيام وسيتولد في هذه الحياة شخص ليس شريراً لكنه لم يعرف في حياته سوى الشر شخص تناساه مجتمعه وهو لن ينسى ما مر معه.
الحكاية بدأت بأبٍ تخلى عن مسؤوليته تجاه هذا الطفل وأخيه وانتهت باستغلال نفسي وجسدي لهذا الطفل من قبل مجموعة من الذئاب البشرية التي أغرته بلعبة.. قضت على براءته.
في الحقيقة هذا الطفل تحديداً من ينظر إليه وإلى السيجارة التي ينفثها بسرعة كمن يعتقد أنه كلما ملأ الدنيا دخاناً نفث عن غضبه يعرف أن واقع هذا الطفل لايعدو كونه مشروع مجرم في هذه الحياة.
ومع ذلك حالته التقت مع /ف/ وهي فتاة في الرابعة عشرة من العمر تجول ساحات باب توما بدون أن تكل أو أن تمل ولكنها في مهنتها كمن يمشي في نومه ترتمي على الناس وكأنه سيغمى عليها تريد المال ولا تعرف أين تذهب بنفسها فهي ليس لها منزل يؤويها ولا أسرة تحتويها هي فقط تجد في التسول ملاذها الوحيد بعد أن تم طردها من منزل أبيها الصراحة لم استطع أن أعرف تفاصيل حياة هذه الفتاة ولكن الذي أعرفه وأراه أنها فتاة قاصر وتجول في الشوارع وعلى مرأى الجميع والواضح أنها فريسة سهلة لضعاف النفوس.
ليس كل متسول.. متسولاً..!
أما عن مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تجاه واقع التسول الذي لم يعد ظاهرة على الاطلاق.. وجدت الدكتورة ريمة الحجار مديرة الخدمات الاجتماعية في الوزارة أن ظاهرة التسول ظاهرة اجتماعية كأي ظاهرة أخرى تتماشى مع التغيرات التي تحدث في المجتمع لكنها من الظواهر التي تشكل عبئاً كبيراً على المجتمع وتعطي مؤشراً إلى تدني مستوى المعيشة لبعض الفئات من أفراد المجتمع ولكن في غالبية الأحيان التسول يكون مهنة لبعض الأشخاص وليس بالضرورة أن يكونوا محتاجين للمال.
إجراءات خجولة
أما عن الإجراءات التي تتخذها الوزارة للحد من التسول فهي تتركز بإيواء المتسولين؟ في الدور المتخصصة بذلك ومكاتب مكافحة التسول والتشرد تقوم بملاحقة المتسولين وتقديمهم للقضاء المختص وقامت الوزارة مؤخراً بإحداث مكتب لمكافحة التسول والتشرد في محافظة ريف دمشق مهمته تسيير دوريات في الشوارع العامة وملاحقة المتسولين والمتشردين لتتم رعايتهم وارشادهم إلى الطريق الصحيح ولكن إلى الآن لم تستكمل متطلبات عمل هذه المكاتب وقريباً سيكون هناك مكتب لمكافحة التسول والتشرد في دمشق.
الكرة في مرمى التربية
التسول ليس حكراً على الأطفال ولكن استغلال الجانب العاطفي للناس من خلال رسم صورة الفقر والعوز على طفل في مقتبل العمر هو ربما قاعدة يتبعها أرباب التسول ممن يرسلون أولادهم أو أولاد متشردين حكمتهم ظروف معينة اسكنتهم الأرصفة ولكن هذا لاينفي وجود العجائز والنساء والرجال في هذه المهنة منهم من هو بحاجة ومنهم من اتخذ من التسول مهنة.
وزارة الشؤون الاجتماعية ألقت اللوم في انتشار التسول بين الأطفال على وزارة التربية التي لاتطبق الزامية التعليم بطريقة صارمة فأغلب المتسولين من الأطفال هم متشردون من المدارس.
تقصير غير مبرر
فمنذ أكثر من 35 عاماً أناط القانون /16/ لعام 1975 بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مكافحة التسول ظاهرة وواقعاً وتبعه افتتاح دار لتشغيل المتسولين عام 1988.
وهناك لجنة القرار /818/ لعام 1990 والتي تضم وزارات العدل والإعلام والأوقاف والإسكان والمحافظة وقيادة الشرطة وغرفة الصناعة واتحاد الجمعيات الخيرية برئاسة وزارة الشؤون الاجتماعية بهدف ايجاد حل لمشكلة التسول…
والآن وبعد انقضاء أكثر من 21 عاماً على تشكيل اللجنة وانقضاء أكثر من 15 عاماً على صدور القرار /413/ الذي تضمن الترخيص لاتحاد الجمعيات الخيرية بدمشق لمكافحة التسول والذي بدأ عمله مطلع العام 1997 نقول: إن أعداد المتسولين في ازدياد مضطرد.. وليس كل متسول بحاجة للمساعدة وهناك قسم كبير منهم محتالون وأن قانون العقوبات صريح في هذا المجال… لكن وعلى مايبدو فإن إجراءات الشؤون الاجتماعية قاصرة عن العلاج..
أخيراً وليس آخراً
التسول واقع لايمكن استئصاله بشكل جذري من أي مجتمع كان لأن البشر في أي مجتمع محكومون بظروف مادية مختلفة ولايمكن الوصول إلى مجتمع خال من المتسولين.
ولكن إذا تم التعاون والعمل بشكل جدي من قبل المسؤولين والمعنيين على حل مشكلات الفقراء والمحتاجين أولاً ومن ثم تحقيق القليل من العدالة الاجتماعية والاهتمام بحقوق الطفل ثانياً من أسرة طبيعية وبيئة نظيفة ينمو بها ومعاقبة المحتالين ممتهني التسول.
فقبل أن تفكر وزارة الشؤون الاجتماعية بإلزامية التعليم وأن تضع الكرة في ملعب وزارة التربية يجب أن يتم العمل على تضافر الجهود بين الوزارتين ومختلف الجهات للحد من هذه الظاهرة وخاصة عند الأطفال.
الثورة – كلوديا حسن