الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
بعد ثلاثة عقود من انتهاء الحرب الباردة الأولى بين القوتين العظميين روسيا وأميركا، بدأت بوادر حرب باردة ثانية تطل من جديد، فقد أصبحت النخب السياسية والمسؤولون في المجال الاستراتيجي أكثر جدية بشأن هذه المسألة بعد أن أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن تشكيل ما يسمى “تحالف الديمقراطيات”.
وبعد محادثات ألاسكا الصينية الأميركية في 19 آذار الماضي، وصفت صحيفة نيويورك تايمز زيارة عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى الشرق الأوسط ولقائه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأنها محاولة لتشكيل “تحالف من الأنظمة الاستبدادية”، حسب زعمها، “وجاء في التقرير أن “العالم ينقسم بشكل متزايد إلى معسكرات أيديولوجية متميزة حيث تأمل كل من الصين والولايات المتحدة في جذب المؤيدين”.
كانت لدى الولايات المتحدة دائماً عقلية الحرب الباردة، وقد أوضح بايدن ذلك في أول مؤتمر صحفي رئاسي له في 25 آذار عندما وصف التحدي من قبل الصين وروسيا بأنه “معركة بين منفعة الديمقراطيات في القرن الحادي والعشرين والأنظمة الاستبدادية”، حسب زعمه، وقد عززت استراتيجية تحالف بايدن عقلية الحرب الباردة وممارساتها في محاولة لجعل العالم يعتقد أن الحرب الباردة كانت حتمية.
قال لي هايدونغ الأستاذ في معهد العلاقات الدولية بجامعة الشؤون الخارجية الصينية: “يكاد يكون من المستحيل تقسيم العالم إلى معسكرين منفصلين، لأن العالم ليس الولايات المتحدة والصين فقط، هناك العديد من البلدان في العالم كما يوجد أيضاً العديد من المنظمات الدولية، ولديهم أصوات مختلفة حول اتجاه النظام الدولي”.
تثبت الحقيقة الموضوعية لانحدار القوة الناعمة للولايات المتحدة أن نظام الحرب الباردة الذي تريده واشنطن، معسكر أوتوقراطي ضد ما يسمى معسكر ديمقراطي، لن يصبح القيمة السائدة في العالم، فالفقر والتمييز العنصري وانهيار الديمقراطية والركود الاقتصادي الذي تواجهه الولايات المتحدة في الداخل لن يتم حله عن طريق تقسيم العالم إلى معسكرين، علاوة على ذلك، لن يكون أي من حلفاء واشنطن على استعداد لمتابعتها والانقياد خلفها في كل قضية، فلواشنطن قوتها بالتأكيد ولكن عليها أن لا تبالغ في فرضها على الجميع.
كانت فكرة محاولة حل الانقسامات الداخلية في المجتمع الغربي عن طريق إثارة التحديات الخارجية وراء عقلية الحرب الباردة، ولكن النتيجة هي أن واشنطن غير قادرة على التركيز على حل قضاياها الداخلية، وهذا بدوره يجعل من الصعب عليها العمل مع الدول الأخرى في حل القضايا العالمية، وأضاف لي: “الطريقة الأكثر فعالية للتعامل مع رغبة الولايات المتحدة في تقسيم العالم هي إقامة توازن متعدد المستويات في اتجاهات مختلفة”.
وصف روبرت كاجان الولايات المتحدة بأنها “أمة خطيرة” في كتابه الذي يحمل نفس العنوان قائلاً: إن سياسة أميركا في العالم، منذ أيامها الأولى حتى فجر القرن العشرين، أصبحت خطيرة وغير عقلانية بشكل كبير، فهل سيتعين على جميع الدول أن تنحاز إلى جانب الولايات المتحدة في صنع السياسات والتنمية الاقتصادية؟.
يبدو أن السياسيين الأميركيين والغربيين الذين يعانون من فقدان الذاكرة السياسية قد نسوا ما جلبه الصراع الأيديولوجي عام 1947 إلى العالم، لقد تسبب في مواجهة طويلة الأمد بين الشرق والغرب، وأعاق التنمية المتكاملة للعالم، وتسبب في انقسام ألمانيا وكوريا ودول أخرى، وأثار حروباً محلية، فعندما يصبح الأمن والبقاء على رأس الأولويات فكيف نتحدث عن التنمية.
في حقبة الحرب الباردة، تم عزل المعسكرين عن بعضهما البعض وشكلوا سوقين متوازيين، ما أحدث تأثيراً سلبياً على تطور الاقتصاد العالمي الذي يُعتبر أحد أكبر إنجازات العولمة الاقتصادية، ومع تزايد اعتماد البلدان على بعضها البعض في إمدادات السوق والتصنيع وتقسيم العمل، ستؤدي الحرب الباردة الجديدة حتماً إلى انهيار السلسلة الصناعية وخسائر لكلا الجانبين.
إن عقلية الحرب الباردة وإجبار الدول الأخرى على الانحياز إلى جانب معسكر ضد آخر ليس دليلاً على قوة الولايات المتحدة، ومع ذلك، وكما ذكرت بلومبيرغ في مقال بعنوان “الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين سيكون لها أكثر من جانبين”، فإن “إيديولوجيات الحرب الباردة هذه لا يمكن أبداً أن تحل محل الواقع الفوضوي الأميركي”.. باختصار، إن عقلية الحرب الباردة لن تعيد القوة الناعمة للولايات المتحدة.
المصدر : Global Times