«مصطفى علي» في منحوتة «عودة سورية إلى الحياة».. -«المنحوتة جسدٌ ينطلق بقوة»

 

الملحق الثقافي:حوار: الهام سلطان:

فنانٌ.. معظم أعماله تحاكي فلسفة الخلود، وشجرة الحياة.. من شهقةِ البحرِ إلى سحرِ الفيحاء، إلى مدينة زنوبيا الأسطورة، إلى آفاقٍ بلا حدود..
لصلصالِ أناملهِ زمن آخر، وبهذه الأنامل، يحاكي الفراغ سيمفونية إبداع، ويرسم حكاية الإنسان، وقصة الحضارة.
بين الكتلة والفراغ، قصصٌ نسجها من زرقة البحر وطين شطآنه.. من أسرار تدمر ومدافنها الجنائزية، ومن شموخ الجبال ومواويل والديه.
جابَ العالم حاملاً نبض وطنه في شغاف قلبه، ورغم الألم الذي سببهُ، الحرب ومعاناة شعبه، إلا أنه لم يتوقّف يوماً عن الرسمِ والنحت والإبداع الذي لوّن به الشّمس، فأحالها إلى لوحةٍ سوريّة.
إنه الفنان النحات «مصطفى علي». التقيناه فأذهلتنا لوحاته، وألهمتنا حواره وسؤاله:
 لكلِّ فنانٍ طفولة خاصة، وتترك أثراً ينعكس على أعماله. هل من لوحةٍ لتلك الطفولة لديك؟.
  أوغاريت، النهر، البحر، الجبل.. كلّها لوحاتٌ رائعة، ساهمت في تشكيل ذكرياتي، وألهمت طفولتي.
ولدت في «أوغاريت». المدينة التي عمرها أكثر من 1500عام، والتي كتب تاريخ الإنسانية على حجارتها، الأبجدية الأولى التي علّمت العالم القراءة والكتابة، فهي الأساس في تشكيلِ ذاكرتي الفنية، وهي التي ساهمت في بناء فكري الفنيّ، النحويّ، الإبداعيّ.
كلّ ما في هذه المدينة، ساهم في صناعة شريط ذكرياتي الحاضر معي أينما تنقَّلت وسافرت. النهر وجريانه، والطين الذي يتشكَّل على ضفّته، حتى الخشبة التي كانت تطفو على سطحه، كنت آخذها وأصنع منها ألعابي.
أيضاً البحر، هذا المكان الساحر، والذي كنت أرى فيه الزمن، وكيف يداعب الصخور، وكأنه يملكها ليحولها مع مرور الوقت، إلى شكلٍ آخر.
 من الطفولة إلى الشباب، موهبة وتجربة وإبداع.. هل لكَ أن تروي لنا قصتك معهم؟.
  بعد مرحلة الطفولة، بدأت أطوّر نفسي، وتبلورت لديّ فكرة أنني أريد أن أصبح نحاتاً، وعندما دخلت لأول مرة مركز الفنون البصرية، شعرت وكأنني أدخل إلى معبدٍ، بقيت فيه أربع سنوات، ومع أنه كان لديَّ خيارات أخرى، إلا أنني شعرتُ بأنني وجدتُ نفسي في هذا المكان، وبدأت أحقق حلمي.
في الجامعة، كانت معظم منحوتاتي طويلة ورشيقة، ولم أكنْ أهتم بالشكلِ الخارجي، بل أدخل إلى عمقِ الأشياء، وأبحث عن الجوهر.
كان الفنان «فاتح المدرس» ينظر إلى منحوتاتي بإعجابٍ ويقول لي: «حتماً أنت قادمٌ من الساحل»، وكان قوله هذا، يعزّز ثقتي بنفسي.
في الجامعة أيضاً، تعرفت على أعمال النحات العالمي «جاكوميتي»، وشعرت بأننا معاً، ننتمي إلى جذورٍ مشتركه فنيّاً.
رغم تأثّري بفضاء الساحل، إلا أن تدمر الساحرة أغنت تجربتي. هذه المدينة هي من أجمل مدن العالم، وبكلِّ ما فيها: المعبد، المسرح، الطريق المستقيم.. لكن، أكثر ما سحرني وأثَّر في تجربتي، الفن الجنائزي التدمري، الذي دفعني للعمل على فكرة الخلود.
ساعدني على ذلك، قناعة أهل تدمر، بأن الإنسان يستمر بالخلود، وهو ما دفعهم لبناءِ المقابر والمدافن على شكلٍ تشعر وأنت تراه بالخلود، وتجسده الأبراج الطويلة التي تربط الأرض بالسماء.
عدت من تدمر، متمكّناً من فنّ النحت، وبعدها بنيت عالمي النحتيّ، وبقيت أكثر من عشر سنوات، أعمل على نفس الفكرة.
 أوغاريت وتدمر.. مدينتا الفنّ والخلود في أعمالك.. أيّ مدينة أثّرت أيضاً، في هذه الأعمال؟
  في فترة التسعينيات، شعرت بضرورة تطوير تجربتي الفنية، وتوسيع آفاقي فيها، فقررت السفر إلى إيطاليا، لأحقق حلمي.
في إيطاليا، أعددت الكثير من الأبحاث، وعشت المرحلة العربية، لأن الانتقال من مكانٍ إلى آخر، وإن لم يشكّل استقراراً للإنسان، إلا أنه يساعد على الإنتاج والإبداع.
في هذه المرحلة العبثية، التي كانت ضرورية، شكّلت عالمي، وأسّست محترفاً فنّياً، لأدخل بعدها في المرحلة التركيبية، وفيها بنيت عالماً من الواقع والميثولوجيا.
نعم، عشتُ في إيطاليا مرحلة مهمة من حياتي، لكن حلم العودة إلى سورية لم يغادرني، ذلك أنها عشقي ومصدر الهامي الدائم..
 وماذا عن هذا العشق، بل كيف عبّرت عنه بعد عودتك من إيطاليا؟.
  عدت إلى سورية بتجربةٍ جديدة، وأقمت ثلاثة معارض. «دمشق، بيروت، عمان». كانت التجربة ناجحة جداً، وبفكرٍ جديد وتجربة جديدة.
بعد عشر سنوات من هذه التجربة، فكرت كيف أجمع مادتين مع بعض، «البرونز القاسي» والخشب الحنون». وفّقت بينهما، وبعدها قدمت مجموعة من الأعمال، ولقد أعطتني هذه التجربة آفاقاً جديدة، وبعدها أنتجت عدداً كبيراً من المنحوتات، وأصبحت أعمالي على المستوى العالمي.
 هل لك أن تحكي لنا قصة تمثال العودة إلى الحياة، الذي هو من منتجات الحرب؟..
  أثناء الحرب بدأت أنتج أعمالاً فنية عديدة، منها تمثال العودة إلى الحياة، جسدته من الكروم، وهو مادة قاسية جداً، ولا تتأثر بالطقس، وكان هذا التمثال الذي يبلغ 6 أمتار، رمزاً لسورية، وعودتها للحياة بعد هذا الدمار.
المنحوتة جسدٌ ينطلق بقوة الصاروخ، ويتمسك حتى بالهواء والفراغ، أصابعه كأنَّها أجنحة، وفيه قوة وطاقة، وكلّه من الأشياء المدمرة، من منتجات الحرب.
 كان لك تجربة في أميركا أيضاً، كيف تصفها، وما الذي تقوله عنها؟.
  سافرت كثيراً، وجبت العالم، وذهبت إلى أميركا التي أتاها بعد الحرب العالمية الثانية، كلّ فناني العالم، وبنوا محترفاتهم فيها.
اطَّلعت على هذه المحترفات، وشاهدت معظم متاحف أمريكا، وفي بنسلفانيا شاهدت أعمال الفنان «هارلود» وهو فنان له شهرة عالمية، وكانت رسالته: «لا شيء له قيمة أو معنى، وعندما يدخل إلى المتحف، تصبح له قيمة، ويسأل: إلى أين نحن ذاهبون؟.. هي رسالة قدمها للمجتمع الأمريكي وللعالم، مجيباً على سؤاله: ذاهبون إلى مجتمعِ العبث واللانهاية.
رغم تجربتي الغنية في أميركا وغيرها من الدول التي زرتها، إلا أنني لم أتوقف أبداً عن الشعور، بأن عليّ العودة إلى جذوري، وفكري، وتكويني السوري.. عدتُ من أميركا، ووضعت تجربتي في تمثال الغوطة، الذي جسدته عام ١٩٩٩ م من الخشب المتآكل المدمّر، وبنيت منه عملاً فنياً، لأنني شعرت أن هذا الجسد، يتآكل نتيجة الدمار والزحف العشوائي.

التاريخ: الثلاثاء13-4-2021

رقم العدد :1041

 

آخر الأخبار
New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق The national interest: بعد سقوط الأسد.. إعادة نظر بالعقوبات على سوريا بلدية "ضاحية 8 آذار" تستمع لمطالب المواطنين "صحافة بلا قيود".. ندوة لإعداد صحفي المستقبل "الغارديان": بعد رحيل الديكتاتور.. السوريون المنفيون يأملون بمستقبل واعد باحث اقتصادي لـ"الثورة": إلغاء الجمرك ينشط حركة التجارة مساعدات إغاثية لأهالي دمشق من الهلال التركي.. السفير كوراوغلو: سندعم جارتنا سوريا خطوات في "العربية لصناعة الإسمنت" بحلب للعمل بكامل طاقته الإنتاجية الشرع والشيباني يستقبلان في قصر الشعب بدمشق وزير الخارجية البحريني عقاري حلب يباشر تقديم خدماته   ويشغل ١٢ صرافا آلياً في المدينة مسافرون من مطار دمشق الدولي لـ"الثورة": المعاملة جيدة والإجراءات ميسرة تحسن في الخدمات بحي الورود بدمشق.. و"النظافة" تكثف عمليات الترحيل الراضي للثورة: جاهزية فنية ولوجستية كاملة في مطار دمشق الدولي مدير أعلاف القنيطرة لـ"الثورة": دورة علفية إسعافية بمقنن مدعوم التكاتف للنهوض بالوطن.. في بيان لأبناء دير الزور بجديدة عرطوز وغرفة العمليات تثمِّن المبادرة مباركة الدكتور محمد راتب النابلسي والوفد المرافق له للقائد أحمد الشرع بمناسبة انتصار الثورة السورية معتقل محرر من سجون النظام البائد لـ"الثورة": متطوعو الهلال الأحمر في درعا قدموا لي كل الرعاية الصحية وفد من "إدارة العمليات" يلتقي وجهاء مدينة الشيخ مسكين بدرعا