شرفاتٌ غير افتراضيّة

 

الملحق الثقافي:ثراء الرومي :

أجلس على شرفتي، أقتنصُ من الزّمنِ لحظاتٍ نادرةً، أنفرد فيها مع ورقتي وقلمي، ومن حولي تهزج أسراب السّنونو محتفلة بعودتها مع قدوم الرّبيع، وهي ترسم معاً تشكيلاتٍ بديعةً في السّماء.
وسط كلّ هذا، أتذكّر شرفاتٍ تعاقبت عليها الأيّام، وطيورَ سنونو كثيرةً اختلفت مصائرها. شرفةُ جدّتي الّتي كانت تجمع الأبناء والأحفاد، ويطول بهم السّمر حتّى ساعات الصّباح الأولى، وشرفةُ بيتِنا المطلّة على مفترق عدّة طرقٍ في القرية، والّتي لم تكن لتخلو من ضيفٍ عابرٍ أو صديق أو قريب، وشرفتنا في المدينة الّتي كانت ولا تزال، على صغر مساحتها، تتّسع لكلّ المحبّين.
كم شهدَتْ هذه الشّرفات من لحظاتٍ نادرة، طواها الزّمن مع من رحلوا إلى السّماء، ومن نَأَتْ بهم السّبل في بلاد اللّه الواسعة. وهناك من أشرعوا شرفاتهم الزّرقاء، يرتشفون عبرها قهوة حواراتٍ افتراضيّة، مع من جمعتهم بهم مودّة غابرة لم تغب، ولكنّ وهجها كاد يتلاشى، وقد تباعدت شرفاتهم القريبة، بفعل التّكنولوجيا.
وثمّة من امتدّت شرفات همومهم اليوميّة، لتغدو كساعةٍ رمليّةٍ تبتلع لحظاتهم وسط لهاثهم المستميت للحفاظ على رمق من كرامة وحياة.
تحضرُني من شرفة الماضي البعيد صورةُ طفلةٍ وطفلٍ، وهما يقطفان زهرَ البابونجِ من البرّيّة المتاخمة لمنزلهما، حيث كانا يلعبان على الدّوام مع أبناء الجيران، تحت رقابة الأهالي.
لا زالت ذاكرتي الطّفوليّة تختزن أجمل لوحةٍ لتلك الزّهرات، وهي تفترش بساط العشب بذاك الأبيض، الّذي يتوسّط وريقات صفراء بهيّة، هذا الزّهر الآسر الّذي رسمَ ملامح طفولتي البريئةَ أنا وأخي، كان اقتناؤه أحد أسباب فرح كبير بقي يحمل خصوصيّة مدهشة.
فمن شرفة الماضي الأقرب، تطلّ فتاة شقّت طريق مستقبلها، وعادت إلى قريتها الوادعة مُدرّسةً في المدرسة الّتي تخرّجَت منها كطالبة، وزميلةً لمن تدين لهم بالفضل الكبير، وهنا كان للبابونج حكايةٌ بنكهة الفرح الحزين.
مع الموت المباغت لبطل حكاية البابونج، تتنافس الطّالبات على جمعِ باقاتٍ منه، على هيئة كلمات تُهدينَها إلى المدرّسة المفجوعة بتوأمِ الرّوح، عبر ما تجود به قرائحهنّ من أشعارٍ وحكايا عن تلك الطّفولة الخالدة، وهكذا تمتدّ شرفاتٌ لإبداعاتٍ دفينة فجّرَتها تلك الفاجعة، ولعلّ أهمّ الشّرفات الّتي امتدّت معها، كانت شرفاتٌ للحوار، اقتضى إشراعها الكثير من التّشجيع والتّحفيز، لتعلن بعض تلك الفتيات أمام أهاليهنّ، أنّهنّ يتمتّعن بملَكةِ الكتابة، كم يفتقر كلّ جيلٍ في كلّ مرحلة من الحياة لمثل هذه الشّرفات، وكم علينا أن نسعى لتعزيز بنائها!.
مع تصاعد زقزقاتٍ سعيدةً لطيور السّنونو، أستيقظ من شرودي، لأعود إلى شرفتي من جديد، ويقطع عليّ صغاري خلوةَ الكتابة، وقد أشرعوا شرفات الضّجيج المحبّب.
أطوي ورقتي، وتغيم عيناي في المستقبل البعيد، ترى كم ستختزن شرفتي من بصمات هذا الفرح؟ وكم من شرفاتٍ ستمدُّ أذرعها لي؟.. أبتسم وقد غمزتني زهرة البابونج بكلّ بهائها ونقائها: ثمّة شرفةٍ للأمل تحتضن كلّ الشّرفات، وطيور السّنونو وإن هاجرت فلا بدّ أنّها ستعود لتوقظ الشّرفاتِ الوحيدةَ الغافيةَ مهما طال غيابها.

التاريخ: الثلاثاء13-4-2021

رقم العدد :1041

 

آخر الأخبار
رفع الوعي والتمكين الاقتصادي.. لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي  انطلاق مؤتمر ريادة الأعمال العالمي في درعا.. وتأكيد على دور الشباب في التنمية وفد وزارة الإعلام السورية يشارك في انطلاق أعمال اللجنة الدائمة للإعلام العربي بالقاهرة مطار دمشق.. 90 ألف فرصة عمل تزرع الأمل في المجتمع السوري قوات الاحتلال الإسرائيلي تمنع أهالي الحميدية من صيانة خط ضخ المياه الرئيسي "موصياد" التركية تختتم برنامج الاستثمار والتعاون لتعزيز الشراكة الاقتصادية مع سوريا الدورة الأولى لمهرجان ضاحية الشام.. حضور جيد وملاحظات على الأسعار والعروض الرئيس أحمد الشرع يستقبل وفداً من "الكونغرس" الأميركي في دمشق الطاقة البديلة تتقدم في سوريا.. ارتفاع أسعار الكهرباء يسرّع التحول قطاع الأقمشة يواجه تحديات جمركية ويطالب بحماية المنتج المحلي بطاقة 1.2 مليون طن.. معمل فوسفات حمص يستأنف الإنتاج بعد توقف 10 سنوات ارتفاع إصابات التهاب الكبد A بعدة محافظات.. والصحة تؤكد: الوضع تحت السيطرة توسعة معبر "نصيب- جابر".. اختبار حقيقي لتعافي التجارة السورية- الأردنية رغم تراجع الكلف.. مطاعم دمشق تحافظ على أسعارها المرتفعة وتكتفي بعروض "شكلية" رماد بركان إثيوبيا يعرقل حركة الطيران ويؤدي إلى إلغاء رحلات جوية الليرة تحت وطأة التثبيت الرسمي وضغوط السوق الموازية تحرك سريع يعالج تلوث المياه في كفرسوسة ويعيد الأمان المائي للسكان "اتفاقية تاريخية" لتطوير مطار دمشق.. رسائل الاستثمار والتحول الاقتصادي أردوغان يطرح التعاون مع كوريا الجنوبية لإعادة إعمار سوريا السيدة الأولى تمثل سوريا في قمة "وايز" 2025..  خطوة نحو تعزيز التعاون الدولي وتنمية التعليم