الملحق الثقافي:رنا محمد :
بعيداً عن العنفِ اللفظيّ والجسديّ الذي يستخدمه عادة الكبار ضد الصغار، وعن كلِّ الأساليب الشائعة والمألوفة التي يمارسها الأقوياء ضد الضعفاء في مجتمعاتنا، وربما في كلِّ المجتمعات، هناك عنفٌ من نوعٍ آخر يمارسه الآباء والأمهات مع أبنائهم، تحت ذرائعٍ كثيرة، أهمها تأمين ما كان ينقصهم.
كثيراً ما صار مألوفاً، رؤية هواتف ذكيّة حديثة بأيدي أطفال وفتيان، تصلهم بشبكةِ الانترنت التي تُعرض لهم ما هبّ ودب، وربما تجعلهم عرضة لشتى أنواع الابتزاز، تلك الهواتف مليئة بألعابِ الحرب والقتل والعنف، التي يتفنّن الأطفال بتعلّمها، وممارسة شتى أنواع القتل الافتراضي.
أيضاً، كثيراً ما نرى الأطفال يستمعون عبر هذه الهواتف الذكية، لأغاني حديثة تروّج وتذيع «عن قصدٍ أو دون قصد»، السلوك السيِّئ واللفظ النابي المشين.. والطفل متلقي جيد، يتلقّى كلّ ذلك وهو أمام الشاشة، يمضي الساعات مشدوهاً، يستمع لتلك المهزلة تحت مسمّى أغاني، ويمارس يومياً القتل الافتراضي، الذي يسيطر عليها قلباً وقالباً… وغالباً كان ذلك، أحد أسباب فرط النشاط، وقلّة التركيز، وصعوبات التعلُّم التي يعانيها بعض الأطفال، وغيرها الكثير من المشاكل التي تواجه طفل اليوم.
هنا، يستسهل الطفل القتل، والكارثة إن تجرَّأ على تجريبه، فالقتل الالكتروني سهَّل ذلك له.. كذلك الألفاظ النابية في الأغاني الرائجة، تسهّل عليه سماع الكلمات السيئة، وبالتالي تسهيل تداولها، وتداول سلوكها.
نادراً ما نجد طفلاً دون موبايل حديث، حتى وإن كان أهله يحملون أجهزة قديمة، أو وضعهم المادي لا يسمح لهم بشراء أجهزة كهذه. نادراً ما نرى طفلاً لديه هواية.. لقد أبعدت التكنولوجيا الأطفال عن الشمس والهواء واللعب بالكرة، سحبتهم من الحياة، وحبستهم داخل أجهزة صغيرة.
بالتأكيد الاتصالات ضرورية للجميع، ولا مانع من حمل الطفل لهاتفٍ عادي يستخدمه عند حاجته، ومن الضروريّ تخصيص وقت للألعاب الالكترونية.. لكن، مع رقابةٍ شديدة على كلّ ذلك، بما يتناسب مع عمر الطفل، ونموّه الجسدي والنفسي.
اليوم بات وقت الفراغ أطول للأطفال مع إغلاق المدارس، ولكي نسحب أطفالنا من هذه الآلات الجامدة، ونعيدهم إلينا وللحياة، علينا أولاً تفعيل دورنا في حياتهم، ثم التقرب منهم بالكثير من الحب والاهتمام، بعيداً عن الوصاية والنصائح التي غالباً ما تكون محور جلساتنا مع أطفالنا.. علينا أيضاً، مشاركتهم بأيّ شيءٍ يحبونه: رسم، رقص، موسيقا، غناء.. وإن لم يكن الطفل فيهم موهوباً، فلنساعد على اكتشاف موهبته، أو تعليمه حرفة يرغب بها وتسلّيه، وهناك الكثير من الخيارات يمكن للأهل اللجوء إليها، بعيداً عن الالكترونيات التي غالباً هي الخيار الأسهل.
دورنا هذا، يضاف إلى دور المؤسَّسات والجمعيات الأهلية، المعنيّة بالأطفال واليافعين، والتي عليها ملء أوقات فراغهم، بما يفيدهم ويمتّعهم، ومن ذلك، إلحاقهم بنوادٍ رياضية وموسيقية.
طفل اليوم الذي كبر في ظلِّ الوباء والغلاء والحرب، ذكيّ جداً، ولديه قدرة ذهنية عالية، ولكن غالباً ما يفرِّغها وهو جالس خلف آلة، فلنحدّ من وجودها في حياته، ولنقف إلى جانبه كي يجد هوايته في الحياة، ضمن هذه الظروف الصعبة، ولنقل: «لا».. بالكثير من الحبِّ والحزم، وفي وقتها المناسب، فالطفل المسموح له بعملِ ما يريده، ستصدمه الحياة كثيراً عندما يكبر.
التاريخ: الثلاثاء13-4-2021
رقم العدد :1041