مفاوضات فيينا، وما يرافقها من عمليات مد وجزر، ودفع متعمد نحو تعطيل أي توافق محتمل يرفع كامل العقوبات عن طهران، ويعيد أميركا والدول الأوروبية إلى التزاماتها القانونية، تعيد إلى الأذهان تلك الأجواء الصاخبة التي استبقت توقيع إيران ودول السداسية على الاتفاق النووي عام 2015، وحينها لم تمنع الأصوات النشاز تظهير الاتفاق وإبصاره للنور، باعتبار أنه يساهم في تكريس الاستقرار الإقليمي والدولي، واليوم نجد أصوات النشاز ذاتها تحاول عرقلة سير المفاوضات لمحاولة منع إيران من الحصول على حقوقها النووية المشروعة.
إذا نظرنا للدافع الحقيقي وراء قبول (السداسية) الدولية على توقيع الاتفاق، نجد أنه يكمن في عدم قدرة الدول الغربية على منع إيران من امتلاك التقنية النووية وتسخيرها للأغراض السلمية، ووجدت تلك الدول نفسها بعد نحو 13 عاماً من المفاوضات الماراثونية أمام أمر واقع فرضته الجمهورية الإسلامية بقوة منطقها وعلمها وصبرها، فتلك الدول كانت تسعى لتفكيك البرنامج النووي السلمي لإيران، وفرضت عليها شتى أنواع العقوبات والحصار، ولكن بالنتيجة تمكنت طهران من تطوير قدراتها وخبراتها العلمية، وتعزيز قدراتها العسكرية أيضاً، فما الذي تغير اليوم حتى تتوهم الأطراف المعرقلة أن بإمكانها لي ذراع إيران؟.
إدارة ترامب انتهكت الاتفاق وانسحبت منه، وفرضت أقسى العقوبات على طهران، ولوحت أكثر من مرة بالخيار العسكري، ولكن بالنتيجة ظل ترامب يستجدي التفاوض، ورحل من دون أن (يرن هاتفه) لتلقي اتصال من المسؤولين الإيرانيين، وأيضاً كل محاولات نتنياهو لشيطنة البرنامج النووي الإيراني، وجر الولايات المتحدة لحرب عسكرية ضد إيران باءت بالفشل، وكل الهجمات الإرهابية التي شنها (الموساد) ضد منشآت إيرانية نووية، وآخرها (نطنز)، وعمليات الاغتيال التي ارتكبها بحق علماء إيرانيين، لم تثن إيران عن مواصلة مراكمة إنجازاتها العلمية، حتى الدول الأوروبية التي ما زالت تتماهى مع السياسة الأميركية عجزت عن انتزاع أي تنازل من إيران حول حقوقها النووية المشروعة، فعلى ماذا تراهن إدارة بايدن اليوم إذاً؟، فإذا كانت تنتظر من طهران أن تبدأ الخطوة الأولى، فربما يطول انتظارها بمقدار مدة جلوس ترامب أمام الهاتف.
حتى الآن، يبدو أن الهدف الأميركي من وراء مفاوضات فيينا، هو محاولة الجلوس مع الإيرانيين لمحاولة استدراجهم نحو مناقشة مسائل أخرى من خارج نطاق الاتفاق، وليس العودة إلى الاتفاق نفسه، فعودة أميركا لالتزاماتها لا تحتاج لعملية تفاض طويلة، يكفي أن ترفع واشنطن كامل عقوباتها حتى تتراجع طهران عن خطواتها الجوابية على عدم إيفاء الأميركيين والأوروبيين بتعهداتهم، فمن انتهك الاتفاق هو من تقع عليه مسؤولية القيام بالخطوة الأولى، ومحادثات فيينا هي فرصة لأميركا، وكذلك للجانب الأوروبي، فالموقف الإيراني اليوم أكثر قوة من عام 2015، لاسيما في ظل نفاذ أوراق الضغط على إيران، والجميع يلاحظ مدى التقدم الإيراني المتسارع على مسار الإنجازات النووية والعلمية، رغم وصول الضغوط السياسة والاقتصادية الغربية إلى ذروتها القصوى، فهل تستفيد إدارة بايدن من هذه الفرصة وتصحح أخطاء إدارة ترامب السابقة؟.
البقعة الساخنة- بقلم أمين التحرير-ناصر منذر