الثورة أون لاين – ترجمة ليندا سكوتي:
في شهر أيلول المقبل، ستضع الحرب أوزارها في أفغانستان، تلك الحرب التي تعد من الحروب الأطول والأكثر عبثية التي خاضتها بريطانيا في السبعين سنة الماضية، وينتابني الشك أن يلاحظ أحد ما ذلك الحدث، فالأمم تحتفل بانتصاراتها لا بهزائمها.
لقد مضت عشرون سنة منذ قررت الولايات المتحدة “تخفيف” الآلام التي سببتها أحداث 11 أيلول، إذ إنها لم تكتف بنسف قاعدة أسامة بن لادن في الجبال الأفغانية، بل عمدت إلى إسقاط الدولة الأفغانية برمتها، رغم ما أعلنته بعض الفئات في طالبان من كون بن لادن “ضيف غير مرحب به”، ومطالبة النظام برحيله عن الأراضي الأفغانية، ولكن الولايات المتحدة بالمقابل عمدت إلى قصف كابول، ودعت الناتو لمباركة تصرفها الذي يعد مسألة تتعلق بالأمن العالمي، ولم يكن لدى بريطانيا أي اهتمام بخوض تلك الحرب، وإنما جاء انضمامها نتيجة العلاقة الوثيقة بين توني بلير وجورج دبليو بوش.
هيمنت القوات الأميركية والبريطانية على البلاد برمتها، وأخذت تجند أمراء الحرب تارة وتنصب حكاماً جدداً تارة أخرى، وأثناء زيارتي إلى كابول في ذلك الوقت، علمت بأن أهداف الناتو تتمثل بالقضاء على الإرهاب وإحلال ديمقراطية جديدة وتحرير المرأة فضلاً عن تشكيل “أصدقاء في المنطقة”.
وفي الحين الذي أفصح به معظم الأميركيين عن رغبتهم في الخروج من أفغانستان والتركيز على “بناء” الدولة في العراق، نجد البريطانيين يرغبون في البقاء داخل هذا البلد، وقد أرسل بلير الوزيرة كلير شورت بهدف القضاء على محاصيل الخشخاش، لكن إجراءاتها لم تفلح في تحقيق النتائج المرجوة، وانتشرت زراعته في 28 محافظة بعد أن كان محصوراً في 6 محافظات فقط، وارتفعت عائدات الخشخاش لتبلغ 2.3 مليار دولار.
وبالعودة إلى عام 2005، كان الجيش البريطاني مفعماً بالأفكار الإمبريالية، فسعى إلى التقدم جنوباً بـ 3400 عسكري واحتل هيلمند، وتمسك القائد البريطاني الجنرال ديفيد ريتشارد بموقفه، مؤكداً أن الأمر لا يتطلب سوى كسب القلوب والعقول ودياً في القرى، وأعرب وزير الدفاع جون ريد عن أمله بإنجاز العملية “دون إطلاق رصاصة واحدة”.
بيد أن الأحداث في هيلمند سارت على نحو مخالف لما هو مأمول، فالحملة التي أرسلت لإنقاذ 10,000 جندي أميركي من مشاة البحرية، قادت إلى مقتل 454 جندياً بريطانياً، وأصابت روسيا الدهشة من حماقة العمليات العسكرية الغربية، واضطر غوردن براون الذي كان رئيساً للوزراء إلى القول بأن مقتل العديد من القوات البريطانية في هيلمند عام 2009 كان الوسيلة إلى جعل شوارع بريطانيا “آمنة”.
ومنذ ذلك الحين، أخذت معظم قوات الناتو بالتراجع أملاً في أن تنقذ الدبلوماسية حكومة كابول والغرب مما لحق بهما من إهانة وإذلال، وفي ضوء هذا الواقع، تعهد ثلاثة رؤساء أميركيين “زيادة القوات وترحيلها”، ولكن بأشكال مختلفة إلا أنهم افتقروا للجرأة السياسية للمضي بوعودهم، والآن جاء دور جو بايدن الذي مدد تاريخ الانسحاب من شهر أيار إلى أيلول، علماً أن كل رئيس بذل ما في وسعه من جهود بغية الحفاظ على نظام عميل آمن في كابول.
حالياً سيغادر 2300 جندي أميركي مع قواتهم الجوية، كما سينسحب 750 جندياً بريطانياً أيضاً (بحسب ما صرح به مسؤول رفيع المستوى في وزارة الدفاع البريطانية عندما قال: “في حال انسحاب الولايات المتحدة فإننا سننسحب).
الجدير بالذكر أن تلك الحرب كبدت الولايات المتحدة أثماناً باهظة إذ بلغ عدد القتلى الأميركيين 2216 قتيلاً فضلاً عن إنفاق أكثر من 2 تريليون دولار، أما أعداد القتلى المدنيين الأفغان فهي مثيرة للذعر لكونها تتراوح بين 50,000 إلى 100,000 قتيل على مدى عقدين من الزمن، وكل ذلك انتقاماً “لاستضافة” مرتكبي أحداث 11 أيلول، فهل هذه القيم الغربية التي ندعو إليها؟.
لم تؤتِ المحادثات الأخيرة التي عقدت في قطر أكلها، وكان السبب واضحاً: إذ طالبت طالبان بالانتظار حتى شهر أيلول، علماً أن بوسعها فعل ما تشاء، وقد يتمكن النظام الحالي من الإمساك بزمام الأمور في كابول لفترة وجيزة، ذلك الأمر الذي يتعذر عليه تنفيذه إلا بمساعدة أميركية ومن غير الممكن القيام به مفرداً.
وفي عام 2001، تمكنت قيادة طالبان (التي تتعامل مع الاستخبارات الأميركية) من التواصل مع بن لادن، تحت إشراف من أمراء الحرب المحليين والجيش الباكستاني، ولكن فئات الباشتون خاضت حرباً على مدى عقدين من الزمن بتمويل من تجار الهروين الغربيين، وأسوأ ما شهدته البلاد تمثل بمقتل شخصيات بارزة بالطائرات الأميركية المسيرة دون أن يفضي ذلك لأي نتائج، علماً أن أفغانستان أضحت بحاجة إلى تلك الشخصيات لاحتواء تبعات تدخل الناتو، ولا سيما أن البلاد باتت الآن بؤرة لنشاط داعش.
وفي هذا السياق، نتساءل عمّا حققه التدخل الأميركي والبريطاني؟ يقول المحلل العسكري الجنرال روبيرت سميث في كتابه”فائدة القوة” بأن الجيوش الحديثة لم تعد ذات جدوى في حروب مكافحة التمرد، فهي تجوب أرجاء الشرق الأوسط من أفغانستان إلى ليبيا و”تبذر الدمار في دولة تلو الأخرى”.
ويتلخص تبرير بريطانيا الوحيد فيما ذكرته وزارة الخارجية من عبارات مبتذلة حول فرض النفوذ وردع الإرهاب والحفاظ على مكانة عالية في العالم، وجميعها لتبرير الامبريالية الجديدة، وبتقديرنا، نرى أنه في هذا العالم المفعم بالاعتذارات، قد نشهد اعتذارات كبيرة في شهر أيلول المقبل.
المصدر: The Guardian