الدائرة وأسرارها وتمثيلاتها الإلهيّة

 

الملحق الثقافي:أمجد سيجري :

الدائرة هي من أكثر الرموز العالمية استخداماً حول العالم، إما بشكلٍ مفرد، أو متداخل مع رموز أخرى، وخصوصاً في الرموز المعرفية «الإيديوغرافية» الممثلة لعددٍ كبير من الثقافات والأديان، والتيارات الفكريّة، الفلسفية، الصوفية، والعرفانية حول العالم، لما لها من معانٍ كبيرة وواسعة في مدلولاتها وتعبيراتها الرمزية، التي يطرحها تشكيلها الهندسي المثير .
في الحقيقة، تستند العديد من الرموز الروحيّة والحيوية، من جميع الثقافات المختلفة، على التشكيلات الدائرية، وغالباً ما يُنظر إلى الرموز الدائرية، على أنها رموزٌ لها قوّة سحريّة، تحمي الإنسان من الأخطار والشرور المختلفة، على سبيل المثال، حتى اليوم، يعتقد الكثيرون، وخصوصاً من ممارسيّ السحر، أن الوقوف داخل دائرة يحميهم من الأخطار والتأثيرات السحرية الخارجية الخارقة للطبيعة.
للبحث في رمزية الدائرة، علينا أن نبدأ من البسيط، وصولاً للمركّب، فحياتنا كلّها تتدفق من خلال الدوائر، فبعد أول لحظةٍ لدخولنا إلى هذا العالم، تنشأ دائرتنا العائلية، ورويداً رويداً تتوسّع دوائر علاقاتنا وتتنوّع، ما بين الدراسة والعمل والحياة… الخ.
وكما أن رؤيتنا لهذا العالم، تتمُّ من خلال فتحةٍ دائريّةٍ، هي بؤبؤ العين المرصّع بالقزحية، التي تشكِّل بحدِّ ذاتها، كوناً دائرياً مثيراً، ومن خلال إدراكنا لهذا العالم، وجدنا أن أغلب قواعد التركيب الكونيّ والذريّ والموجيّ، للعديدِ من الظواهر الطبيعية، تستند على التشكيلِ الدائري، فكلّ شيءٍ مرتبط ببعضه البعض، عبر شبكةٍ لانهائيّةٍ من الاهتزازات، تخرج من نقطةٍ وتتوسّع بعيداً، بدوائرٍ تكبر كلّما ابتعدنا عن المركز، مثل الموجات الدائرية التي تنتشر عند ملامسة سطح السائل بجسمٍ ما.
إضافة إلى هذا، فإننا نجد الكثير من الأجسام التي تدور وتتحرّك في دورات دائرية، أو كرويّة، حول مركزٍ ما، كما تدور الكواكب حول الشَّمس، وتدور الذرَّات حول النواة في مركزها، هذا في الحقيقة وحده، سبب كافٍ ومهمّ، لفهم القوة الرمز للدائرة .
هندسياً، تُعرف الدائرة بأنها مجموعة من نقطِ المستوي، المتساوية البعد عن نقطة ثابتة، وهي التي تسمّى المركز، فهي لا تحتوي على بدايةٍ أو نهاية، ولا تحتوي على جوانبٍ أو زوايا في محيطها الممثِّل للخطِّ المكوِّن لها، أمّا بالنسبة لمركزها، فهو أفضل تمثيلٍ للوحدة والعدل، وبالتالي فإنه من جعل منها، رمزاً مهمَّاً ومعبِّراً عن اللامتناهي، وعن المحدود، وعن الشيءِ ونقيضه.. إذاً، لقد جمعت الدائرة المتناقضات التي تُعتبر، من أهمِّ الصفات الإلهية التي عبّر فيها البشر عن المفاهيم الكلِّية والمثاليَّة، كالكمال، والروح، واللانهاية، والإله، والكمال المتمثِّل في هذا الإله.
أيضاً، تعتبر الشمس من أشهر التمثيلات الرمزية الدائرية، فالتمثيل الإيديوغرافي للشمس، مكوّن من دائرةٍ مع مركز ⊙ فالشَّمس في علمِ التنجيم، هي النقطة الحاكمة، وهي القاعدة التي ينبثق منها كلّ شيءٍ، وهندسياً هي العنصر الأهمّ لرسمِ الدائرة، وبالتالي فإن هذه النقطة الوسطى تشير، إلى القوّة المركزية التي اعتبروها، القوة والطاقة الذكورية المخصّبة، المحاطة بمياهِ الأزل التي تمَّ اعتبارها، مبدأٌ هو مبدأ الأمومة الأنثوي، وخصوصاً في العبادات الشمسية، وهذه العلاقة هي التي شكّلت، سرّ الحياة الأول الذي اكتشفه الإنسان، وعبّر من خلاله عن أساطيره وحكاياته.
كما تمّ تمثيل الدائرة بالروح، ومن ثم الوعي الكونيّ، وأحياناً بالإله، فكما أسلفنا، فإن في الدائرة الوحدة والتوازن والعدل، وفيها اللانهاية بلا بداية، أو نهاية تمثيلٍ مهمّ، للسرمديّة الإلهيّة، بلا بداية أو نهاية، فمعظم قصص الخلق تتحدّث في البداية عن نقطة العدم، حيث لم يكن هناك شيء سوى إله يعبّر عن الوحدة، أو المركز، ومن خلاله كان هناك وعيٌّ نتج من خلقٍ محيط، هو «الدائرة»..
نعم، هو خلقٌ ومن العدم، وبواسطة هذا الإله، وتبيِّن تلك القصص، أننا جزءٌ من تلك الوحدة، نبحث بحركةٍ دائرية في هذا الوعي، وعبر طرقٍ عديدة ومختلفة، وهدفنا العثور على مركز هذه الدائرة، للالتقاء أو الاندماج بها، وصولاً إلى حالةٍ أسماها المتصوّفة «التوحّد».

التاريخ: الثلاثاء20-4-2021

رقم العدد :1042

 

آخر الأخبار
توزيع سلل صحية في ريف جبلة مرسوم بمنح الموفد سنة من أجل استكمال إجراءات تعيينه إذا حصل على المؤهل العلمي مرسوم يقضي بالسماح لطلاب المرحلة الجامعية الأولى والدراسات العليا المنقطعين بسبب الثورة بالتقدم بطلب... مرسوم بمنح الطالب المستنفد فرص الرسوب في الجامعات والمعاهد عاماً دراسياً استثنائياً مرسومان بتعيين السيدين.. عبود رئيساً لجامعة إدلب وقلب اللوز رئيساً لجامعة حماة   انفجارات في سماء الجنوب السوري منذ قليل إثر اعتراض صواريخ إيرانية أوقاف حلب.. حملة لتوثيق العقارات الوقفية وحمايتها من المخالفات والتعديات تفعيل النشاط المصرفي في حسياء الصناعية تحديد مسارات تطوير التعليم في سوريا تعاون  بين التربية و الخارجية لدعم التعليم خطط لتطوير التعليم الخاص ضمن استراتيجية "التربية"   تجارة درعا.. تعاون إنساني وصحي وتنموي مع "اينيرسيز" و"أوسم" الخيرية بدء توثيق بيانات المركبات بطرطوس الهجمات تتصاعد لليوم الرابع.. والخسائر تتزايد في إيران وإسرائيل صالح لـ (الثورة): أولى تحدّيات المرحلة الانتقالية تحقيق الاستقرار والسلم الأهل مشاركون في مؤتمر "الطاقات المتجددة" لـ"الثورة ": استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة ودعم البحث العلمي قتلَ وعذبَ معتقلين في مشفى المزة العسكري.. ألمانيا تحكم بالمؤبد على أحد مجرمي النظام المخلوع  "تجارة إسطنبول": نجري في سوريا دراسة ميدانية لفرص الاستثمار "الفيتو الأميركي".. هل حال دون اغتيال خامنئي؟.. نتنياهو يعلّق الفساد المدمِّر.. سرقة الكهرباء نموذجاً عطري: العدادات الذكية ليست حلماً بعيداً بل هي حل واقعي