الثورة اون لاين:بقلم أمين التحرير- ناصر منذر
ثمة ارتباك واضح لدى السياسة الأميركية في تعاطيها مع الملفات الساخنة على الساحة الدولية، وهنا يبدو واضحاً أن الإدارة الجديدة باتت تقف على مفترق طرق من الخيارات الفاشلة، حيث سقوف التهديد العالية لم تسعف بايدن في احتواء المتغيرات الدولية المتسارعة والتي تصب في مصلحة القوى الصاعدة، وتهدد بسحب بساط الهيمنة والتفرد من يد الولايات المتحدة، ومستوى الاشتباك السياسي والأمني الحاصل في المنطقة وعدة جبهات أخرى في العالم، ومفرزاته المعاكسة لأهداف ومراهنات البيت الأبيض، تضع واشنطن وأتباعها أمام مأزق كيفية النزول عن الشجرة.
محور المقاومة بات مستعصياً اليوم على كل المخططات الأميركية والصهيونية والغربية في المنطقة، وإدارة بايدن سرعان ما اصطدمت بواقع عجزها عن إخضاع دول هذا المحور، وأصبحت حالة التخبط هي الطاغية على سياسة هذه الإدارة، هي ضاعفت حدة الضغوط العسكرية والسياسة والاقتصادية على سورية، وتمادت مع أتباعها الأوروبيين في تسخير المنظمات الدولية لخدمة أجنداتها العدوانية، ولكنها فشلت في ثنيها عن التمسك باستحقاقاتها الدستورية، وتصميمها على إجرائها بمواعيدها المحددة، وباتت كذلك أمام مأزق العودة إلى الاتفاق النووي، حيث إيران هي من تفرض شروطها في فيينا، وبحال وافقت على رفع العقوبات فهذا انتصار آخر لإيران، وبنفس الوقت ضياع للهيبة الأميركية، وإن رفضت فهي تدرك سلفاً بأن سياسة الضغوط القصوى أفلست ولم تعد تجدي، حتى وإن ماطلت بانسحاب قواتها المحتلة من العراق لتثبيت وجودها العسكري، فإنها لن تتمكن من قطع الامتداد الجغرافي بين إيران والعراق وسورية ولبنان، فضلاً عن يقينها بتزايد المخاطر على حياة جنودها المنتشرين في المنطقة، حيث قوى المقاومة لهم بالمرصاد.
التطورات الحاصلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مؤشر آخر على الفشل الأميركي في إخضاع محور المقاومة للمشروع الصهيوني، وعندما نجد هذا القلق المتصاعد لدى حكام العدو من إمكانية تغيير قواعد الاشتباك لمصلحة هذا المحور في أي لحظة يرتئيها، وحسب التوقيت الذي يفرضه، فهذا تأكيد على أن هذا المحور بات أقرب إلى تحقيق أهدافه الاستراتيجية، والعربدة الإسرائيلية في المنطقة لن يكون بمقدورها في النهاية فرض “صفقة القرن”، وانتفاضة القدس تثبت أن الكيان الغاصب لن يستطيع الاستثمار في اعتراف الرئيس السابق ترامب بالقدس عاصمة موحدة للكيان الإسرائيلي، لاسيما في ظل الإصرار الفلسطيني على إجراء الانتخابات القادمة في القدس المحتلة لإثبات حقه في المدينة المقدسة كعاصمة أبدية للدولة الفلسطينية، وهنا سرعان ما ستجد إدارة بايدن نفسها أمام مفترق طرق إزاء مساعيها المزعومة لإعادة استئناف المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وربما دعوة روسيا للإسراع بعقد اجتماع وزاري للجنة الرباعية، هي للتأكيد على ضرورة إيجاد حل يتوافق مع قرارات الشرعية الدولية في هذا الشأن، وليس وفق رؤية الحل الأميركية، أو الإسرائيلية.
ربما الإعجاب الذي أبداه جو بايدن بمواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة المناخ، لا ينم فقط عن تكفيره على حماقته المتهورة في وقت سابق بحق الرئيس الروسي عندما وصفه بـ”القاتل”، وإنما هي مراجعة أملتها صلابة الرد الروسي على كل الاستفزازات الأميركية والأوروبية، ويقين أميركي بأن سياسة التصعيد الغربي لن ترهب روسيا، بل إن ارتداداتها ستصيب أميركا وحلفاءها، خاصة في ظل التحالفات الاستراتيجية المتنامية بين روسيا والصين، وسائر الدول المناهضة للسياسة الأميركية والغربية، وهذا يشير بدوره إلى مدى القلق الأميركي تجاه التطورات المتسارعة لمصلحة ما تسميهم خصومها على الساحة الدولية، وهذا القلق بحد ذاته يعطي مدلولاً واضحاً على قرب انتهاء القطبية الأحادية.