برزت معاني الشهادة وقيم القداسة، على الصعيدين التشكيلي والتقني، في أعمال الفنانين السوريين في كل المراحل والأجيال، وفي عيدهم السنوي نقدم تحية إجلال لأرواحهم الطاهرة، ولقد امتلك الفنان السوري القدرة على التعبيرعن موضوع الشهيد، بكل الوسائل والتقنيات والأساليب الفنية، من أقصى درجات الدقة في الرسم الواقعي، إلى أقصى درجات التجريد، مروراً بالاتجاهات الانطباعية والتعبيرية وغيرها.. كل ذلك بلغة فنية بحتة، لا تقع في هاوية الخطاب التقريري والأدبي والسردي، وإنما تترك لأصداء الحوار التشكيلي البصري البحت، والمواضيع المختلفة، مساحة قصوى من الحرية التعبيرية والفنية والتقنية.
هكذا أبرز الفنان التشكيلي السوري المعاصر، قدرة لافتة في التعبير عن معاني الشهادة والتضحية والقداسة في سبيل الحق والواجب والوطن الواحد، دون أن يقدم تنازلات فنية، وذلك بلغة حديثة تدمج بين الإيقاع العفوي والهندسي والغنائي، وتحقق التطور الذاتي، في معالجة الموضوع الوطني، بعد النضوج الأسلوبي والتقني، في اللوحة والمنحوتة معاً.
كما ساهم فنانونا إلى حد بعيد في التعبير عن معاني الشهادة، من خلال إقامة العديد من النصب التذكارية، واللوحات الجدارية، والمعارض التشكيلية الخاصة بالمناسبة. وفي كل مرة كان الفنان يجسد فيها معاني الشهادة، كان يعود إلى معطيات إمكانية المادة اللونية، والتنويع التقني واللمسة الحاملة حرارة خاصة والتي تؤكد النواحي الفنية والجمالية والتقنية.
وهذه الأعمال تساهم في تعزيز مشاعر الانتماء الوطني لسورية الحضارة والتاريخ والانفتاح والتحضر والتمدن، وتساهم بإعادة مشاعر الاستقرار والأمان لربوع الوطن، وتطهير الأرض من بقايا براثن الاعداء (أعداء الحياة والحضارة والإنسانية والتطور والانفتاح والمجتمع المدني).
وفي عيد الشهداء، استحضرنا اللحظات المفجعة والحزينة، التي خطفت الأبرياء، وما تركته من مآس وجراح في شقوق الذاكرة الجماعية، وفي هذا العيد وفي كل عيد قادم، ستمشي الأمهات والزوجات والأولاد والأقارب والأصدقاء، إلى أضرحة الذين سقطوا، بيد الغدر والتخلف والجهل والاستبداد والظلم، لوضع الزهور والورود العابقة بالعبير والعطر والشذا، حتى لا تحمل المناسبة خيانة لواقع الحزن، وحتى تتبدد مخاوفنا الحقيقية من المستقبل المظلم للبشرية، في ظل محاولات العصابات المستبدة والظلامية، الهيمنة على الشعوب الحرة، وتدمير المجتمع المدني، وكل منجزات الحضارات الإنسانية المتعاقبة.
رؤية- أديب مخزوم