يوم القدس العالمي

 

كمعطى ورمز مركزي في الصراعات التي شهدها العالم كان كل منها يحتاج إلى رموز تحشيدية سواء كانت دينية أو سياسية أو وطنية أو قومية أي رمز مركزي لذلك لا يمكن الحديث عن الصراع بيننا وبين الصهاينة دون التركيز على القدس كمعطى ديني إسلامي ومسيحي كعامل تحشيد معنوي بهدف تحريرها من رجس الاحتلال، وهذا حصل في كل الخطابات، الإسلامي أو اليهودي، أو المسيحي، من هنا لا يمكننا الحديث عن القدس بمنطق علمي أو منهج علمي دون الاستعانة بالسردية الإسلامية وكذلك الحال هو بالنسبة لليهود من هنا تأتي أهمية العمل على كل هذا الرأسمال الرمزي ولعلنا هنا نتذكر أن القوى الاستعمارية قد استخدمت للتحشيد ما سمي برسالة الرجل الأبيض والحرية والتمكين وغيرها من أساليب خداع وتضليل.

وفي القدس يتقاطع الديني مع الوطني مع القومي مع الإنساني هكذا فعل صلاح الدين وهكذا فعل أوربان الثاني عندما استجمع الملايين في حروب الفرنجة وهو أيضا ما قامت به الحركة الصهيونية في سرديتها التاريخية عبر مقولة الأرض الموعودة وجبل الهيكل لذلك من الطبيعي أن تشدد الأمة على مركزية القدس الدينية وهذا ليس له علاقة بأن تكون علمانياً أو دينياً أو ليبرالياً أو قومياً أو غير ذلك فهو عنصر تحشيد، لذلك نجد الصهاينة في موضوع القدس يعملون على مستويين تهويد المدينة بالكامل وإزالة أي اثر إسلامي عنها لفك الارتباط ما بين القدس وملايين المسلمين والمؤمنين بالعالم، ومع المعطى الديني فإن قضية القدس وفلسطين قضية تحرر وطني تشمل المسلم والمسيحي وغيرهم من أبناء فلسطين، ونظراً لأهمية هذا المعطى حاول ويحاول الصهاينة منذ احتلالهم على مدينة القدس الشرقية إطلاق تسمية جبل الهيكل على منطقة الأقصى بزعم أنه بني على أنقاضه فلابد من إزالته لإعادة بناء الهيكل الذي هو بالثقافة اليهودية بيت الرب، في حين أن الخطاب الإسلامي اعتبر أرض القدس وما حولها أرضاً مقدسة ومسجداً والقداسة أي أنها أرض سجود فهي مسجد، فالقداسة هنا وفق النص الديني هي للأرض وليس للحجارة والمسجد فقط.

إن حديثنا عن القدس بهذا المعطى الديني ليس هدفه تديين الصراع أو أسلمته فالتسييس الديني هو ما يقوم به الساسة الصهاينة العلمانيون والدينيون على حد سواء، وليس رجال الدين لأنه وفق المرويات الدينية تحديداً التلمودية فإن الصعود للهيكل ليس الآن حيث لا تتوفر شروطه التاريخية أو تكتمل، فالهيكل هنا يستخدمه السياسيون كعامل تحشيد ديني لأجل أغراض سياسية فهم يحاولون إيجاد توليفه ما بين القومي والديني بين عرق يهودي وديانة وثقافة يهودية وكيان سياسي، أي أن اليهودية دين ودولة إضافة إلى أن ما يعنيهم هو لمن السيادة السياسية على القدس وليس من يصلي فيها فلا مشكلة في الصلاة في المسجد الأقصى ولكن لمن السيادة على القدس هذا هو المهم بالنسبة لهم فهم يسعون ويتمنون أن تكون المسألة متعلقة في الصلاة والحج للأقصى والأماكن المقدسة الأخرى إسلامية أو مسيحية لأن ذلك يعني مليارات الدولارات من سياحة دينية وغيرها.

أما بالنسبة لنا فالقداسة هي للأرض كل الأرض فكل القدس أقصى وكل فلسطين هي قدس، وبالعودة للسردية الدينية فبلاد الشام كلها أرض مقدسة على مضمون الآية القرآنية :” سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا أنه هو السميع البصير …. ” ، أما في خطابنا السياسي والقومي والشامي ففلسطين جزء من بلاد الشام وسورية الطبيعية وهي جزء من أمة عربية، وبالنظر للجغرافية المكثفة للمدينة المقدسة وكل ما تحمله من رأسمال رمزي فقد عملت سلطات الاحتلال بعد شهرين من نكسة حزيران عام 1967 واحتلال القدس الشرقية على ضمها لتكون خارج أي إطار تفاوضي، وسمي سكانها قاطنين أو مقيمين أي قادمين للإقامة في القدس مثل غرين كارت بالنسبة للذاهبين لأميركا (ومهاجرين )لإسرائيل فإذا سافر أحد خارج القدس أو خارج فلسطين ثلاث سنوات تسحب منه الهوية حتى لو كان له بيت أو أملاك في القدس وهناك لجنة حكومية من خمسة وزراء معنية بشؤونها ومن قواعد عملها أن لا يزيد عدد السكان الفلسطينيين في القدس بشقيها الشرقي والغربي على 20 بالمائة من مجمل السكان وإبقاء اليهود أكثرية فيها، وعلى هذه القاعدة طوقت بسبع مستوطنات لتصبح ضاحية من قدس كبرى وهي أكبر من القدس التي نعرفها بأربع مرات وأصبحت تشكل 15 بالمائة من الضفة الغربية، والهدف هو أن تصبح خارج التفاوض كما أشرنا سابقاً وهناك عملية تفريغ منظمة للسكان في القدس بحجة إعادة تنظيم المدينة وفتح الشوارع والتوسع وبناء جمعيات وهدم تحت ذريعة المخالفات أو القيام بعمليات مقاومة للاحتلال، وكلها تصب في استراتيجية مديدة للاستيلاء المنظم على بيت في القدس والمدينة القديمة بالكامل وتخصص لذلك مليارات الدولارات تقوم بجمعها جماعات وجمعيات ومؤسسات رسمية في داخل الكيان وخارجه.

إن فك الارتباط ما بين فلسطين وفضاءها العربي والإسلامي والإنساني هدف إسرائيلي ثابت لجهة الاستفراد بالشعب الفلسطيني وتمرير مخططات الاحتلال بالسيطرة على كامل فلسطين وتهويدها لتصبح دولة يهودية وليست دولة مواطنين كما نص قرار قبول الكيان عضواً في هيئة الأمم المتحدة، ويتكرس قرار الكنيست الإسرائيلي الذي أقر ما سمي القانون الأساسي الذي يعتبر ( إسرائيل ) الوطن القومي للشعب اليهودي بمعنى أن أي يهودي في العالم هو مواطن في ذلك الكيان حتى لو لم يحمل جنسيته ما يشكل سابقة في تعريف من هو المواطن وما هو الوطن.

إضاءات- د. خلف المفتاح

 

 

آخر الأخبار
مسؤولان أوروبيان: سوريا تسير نحو مستقبل مشرق وتستحق الدعم الرئيس الشرع يكسر "الصور النمطية" ويعيد صياغة دور المرأة هولندا.. جدل سياسي حول عودة اللاجئين السوريين في ذكرى الرحيل .. "عبد الباسط الساروت" صوت الثورة وروحها الخالدة قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل خرقها اتفاق فصل القوات 1974 "رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار